الرأي الثلاثاء 22/12/2015
القرار الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي حول الوضع في سوريا حمل في مضامينه معانٍ جديدة ، تشكل في حد ذاتها تطورا ملحوظا في موقف أعضاء التحالف الدولي ضد الإرهاب ، وفي النظرة إلى مستقبل سوريا على أساس التفاوض السلمي بين الأطراف السورية الأساسية بدعم إقليمي ودولي ، يضمن عودة الأمن والاستقرار في ظل نظام توافقي جديد والقضاء على الإرهاب في آن معا.
ثمة نقطة أساسية في قرار مجلس الأمن فسرتها وسائل الإعلام على أنها إشادة بالجهود التي تبذلها الحكومة الأردنية للمساعدة في الوصول إلى فهم مشترك داخل « الفريق الدولي لدعم سوريا « للأفراد والجماعات التي يمكن أن توصف بالإرهاب ، وفي ظني أن تلك الفقرة لا تعني الإشادة بحد ذاتها، وإنما الموافقة على منح الأردن دور « الحكم أو المحكم « في عملية فرز بالغة التعقيد.
لقد وضع المجلس خارطة طريق للحل في سوريا ، وظهر التوافق الأمريكي الروسي بصورة واضحة ، وهو توافق يمكن أن يعبر كذلك عن مواقف الأطراف المرتبطة بالقطبين ، ولكن من المهم هنا أن نتذكر أن أول مرة جرى فيها الحديث عن المساعدة التي يمكن أن يقدمها الأردن نظرا لمعرفته الدقيقة للوضع السوري ، كانت أثناء المباحثات الأخيرة التي جرت في موسكو بين جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، والرئيس الروسي فلاديمير بوتن ، وأن الأردن قدم إثر ذلك قائمة وافية وواضحة المعالم إلى الجانب الروسي.
والسؤال المنطقي ، لماذا يملك الأردن هذه القدرة لمعرفة كل التفاصيل بشأن جميع القوى المسلحة على الأرض السورية؟ والجواب المنطقي أيضا يكمن في أن أكبر تهديد أمني واجه الأردن في السنوات القليلة الماضية كان على الجانب السوري ، وأن توافد حوالي مليون ونصف المليون قادم – ولا أقول لاجئ – من سوريا إلى الأراضي الأردنية فرض على الأجهزة الأمنية أن تدخل في التفاصيل الفردية ، فضلا عن التفاصيل المتعلقة بالمنظمات الإرهابية.
وقد يكون الأردن بحكم خبرته ومعرفته قد رسم خطا بين ما هو شرعي وغير شرعي في سوريا ، متجاوزا بذلك ما هو إرهابي وغير إرهابي ، ذلك أن بعض القوى المرتبطة بأجندات ليست سورية ، وتمارس أعمالا عسكرية ، يمكن أن توصف بالإرهاب لأنها تمارس عملا لحساب جهات خارجية ، تخوض معركتها ضد سوريا بحجة اسقاط النظام أو الدفاع عنه !
في هذه المسألة بالذات تكمن الخلافات بين الفريق الدولي ، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشكل علني ، وفي الحقيقة أن الأردن – على غير ما ظن كثيرون – لم يقدم معلومات أمنية بالمعنى المتعارف عليه ، ولكنه قدم معيارا دقيقا ، للتفريق بين القوى السورية المتصارعة من أجل « سوريا جديدة « مع الحفاظ على وحدتها الوطنية والترابية ، والتي ستقود العملية السلمية حسب قرار مجلس الأمن ، وبين بقية القوى سواء كانت إرهابية أو غير شرعية، وفي ذلك معيار مختلف فهمته أمريكا وروسيا فهما صحيحا قبل الوصول إلى التوافق بينهما ، ومن ثم الوصول إلى صيغة القرار.
الأردن يقوم بدور الحكم ، وهذا هو معنى قرار مجلس الأمن الذي حدد أطراف العملية السلمية ودور ما يعرف بالفريق الدولي ، وفي ثناياه ما يؤكد أن فشل العملية ليس مرتبطا بفشل القوى السورية المعنية فقط ، ولكن أيضا بوجود مآرب أخرى لأي عضو من أعضاء الفريق الدولي.
لو كنت شخصا مقربا من الرئيس السوري بشار الأسد ، لقلت له إن عليك أن تكون أول من يرحب بدور الأردن ويتعاون معه ، لأنه نادى من البداية بحل الأزمة السورية من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات بين قوى المعارضة والنظام القائم ، الذي ظل الأردن معترفا به طوال الوقت ، وهو الذي حذر كذلك من تدخل القوى الإقليمية والدولية في الأزمة، بما يشكل أرضية شيطانية لتنامي المنظمات الإرهابية، وبالتالي تهديد الأمن والسلام الإقليمي والدولي ، وذلك ما قد حصل بالفعل.
yacoub@meuco.jo