الرأي الثلاثاء 10/01/2017
هل نحن بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الأمن في ضوء الفوضى الأمنية التي تجتاح المنطقة والعالم ؟ ربما نعم على مستوى الوعي الوطني ، ولكن على مستوى الجيش والأجهزة الأمنية فمن المؤكد أن تقييم حالة الأمن الوطني والإقليمي والدولي هو جزء من إستراتيجية الدفاع عن الوطن ، التي تأخذ في الاعتبار جميع العوامل التي يمكن أن تشكل نوعا من التهديد .
أعيد التذكير بالتصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق محمود فريحات وكيف قدم شرحا لحالة الاشتباك في العراق وسوريا ، وسير العمليات العسكرية في مواجهة المنظمات الإرهابية ، وميادين القتال ، كل ذلك من أجل قراءة الاحتمالات على الحدود المشتركة ، وذلك يعني أن التهديد الحقيقي للأمن الوطني هو التهديد الإقليمي ، الذي يمتد بطبيعته المعروفة إلى جماعات تؤمن بالفكر الداعشي ، وتشكل خطرا داخليا على نطاق واسع ، أي في جميع الدول ، ومنها الأردن !
على المستوى الشعبي يدرك الأردنيون الكوارث المحيطة ببلدهم ، وقد أظهروا في مناسبات عديدة مساندتهم القوية لقواتهم المسلحة وأجهزتهم الأمنية واستعدادهم للانخراط الفوري في التصدي للأعمال الإرهابية ، بل إن ما جرى في الآونة الأخيرة من مواجهات مع الإرهابيين قد دل الحس الأمني الذي يتميز به الأردنيون نتيجة وعيهم بحقيقة وأسباب وأهداف ما يحدث في عدد من الدول العربية ، وأقربها إلينا هي العراق وسوريا ، ومصر ولبنان .
لكننا اليوم أمام مرحلة صعبة ومعقدة ، تدعونا إلى التفكير في المعنى الأعمق للأمن وربما بالطريقة التي عرفها ” روبرت مكنمارا ” عندما كان رئيسا للبنك الدولي بعد أن كان وزيرا للدفاع الأمريكي حيث قال ” إن الأمن ليس هو تجميع السلاح بالرغم من أن ذلك جزء منه ، وليس القوة العسكرية ، والنشاط العسكري التقليدي رغم أنه يحتوي عليها ، إنما الأمن هو التنمية ، ومن دونها فلا مكان للأمن !
ولعل مكنمارا قد لخص بذلك مفهوم الأمن الشامل الذي يضم كذلك الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي ، وإليه يستند الأمن الفردي الذي هو نقيض الخوف ، وفي وضع كالوضع الراهن على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية فالأخطار باتت تترصد الناس أينما ذهبوا سواء إلى مطعم أو احتفال أو مطار أو سكة حديد ، إنه في الحقيقة موجود في كل مكان ، وأكثر من أي وقت مضى !
والآن نحن في الأردن نمر في مرحلة دقيقة للغاية ، والتهديدات من حولنا مفتوحة على احتمالات كثيرة ، خاصة وأن التحالفات وموازين القوى قد تغيرت ، وازدادت فوضوية العالم ، وتفاقمت نوازع التعصب والتطرف والجرائم المنظمة وغير المنظمة الأمر الذي يفرض علينا نوعا مناسبا من الوعي الأمني الشامل ، الذي يتعلق جانب منه بالحس الأمني ، أما الجوانب الأخرى فتتعلق بالعمل والإنتاج والمواطنة الصالحة ، ووضع حد لجلد الذات والاتهام على غير وجه حق ، واغتيال الشخصية والنميمة وغيرها مما يندرج في البعد الأخلاقي .
نحن اليوم في حالة دفاع عن النفس ، والدفاع لا يعني انتظار العدو ثم مواجهته ، بل التحضير والاستعداد لرد الاعتداء ، والأهم من ذلك مواصلة التأكيد على أن المجتمع الأردني لا ولن يشكل حاضنة للإرهاب ، وأنه يواصل مسيرته ، يصلح الأخطاء ، ويزيل العراقيل ، ويبني قلعة الصمود في وجه المخاطر والتحديات ، وذلك ليس ببعيد علينا ، أو صعب المنال !