الرأي الثلاثاء 26-9-2017
القاعة والكواليس !
الاجتماع الدوري للجمعية العامة للأمم المتحدة هو في حد ذاته حدث عالمي مهم، يلتقي خلاله رؤساء الدول وممثليها الذين يلقون كلمات بلادهم في جلسات عامة، ويجرون مباحثات ومشاورات جانبية، أو في الكواليس، وبعض المراقبين يقولون إن اللقاءات التي تتم على هامش اجتماعات الجمعية العامة هي الأكثر جدية وأهمية بالنسبة للمشاكل الإقليمية والدولية، وفيها تتم مراجعة المواقف، وتحديد النقاط المتفق عليها، وأن “دول الأوزان الثقيلة” تلعب الدور المؤثر في تشكيل سياسة معينة، سواء على بعضها البعض، أو على الدول القريبة منها بحكم المصالح أو التحالفات.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نجم هذا المسرح الدولي، وبعض المراقبين يعتقدون أن نظرته لمبنى الأمم المتحدة كانت أقل شأنا من نظرته لمبنى “ترامب العالمية” الذي يفصلها شارع فقط عن مبنى المنظمة الدولية، الذي ذهب إليه وهو يقول بصوت عال “أمريكا أولا” وقد فسر خطابه أمام جمعيتها العامة قصده من الشعار، أي أمريكا تحكم العالم، خاصة وأنه يرى في الأمم المتحدة منظمة بيروقراطية، يوجد فيها هدر مالي كبير دون مردود ذي قيمة حقيقية، خاصة وأن بلاده تدفع خمس ميزانية تلك المنظمة، ستعيد النظر فيها!
في العادة لا تهتم الشعوب باجتماعات الجمعية العامة بالقدر الذي تهتم فيه باجتماعات مجلس الأمن الدولي، ذلك المجلس الذي لا تعرف عنه البلاد العربية سوى أن قراراته بشأن القضية الفلسطينية لا تنفذ، وأن بعض قراراته كانت سببا في تدمير العراق وليبيا، والحصيلة في مجملها قد تدفع بنا إلى طرح تساؤلات حول صعوبة التعامل مع تلك المنظمة التي أقيمت من أجل الحفاظ على السلام العالمي، وتنظيم المجتمع الدولي من خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ونحن نراها عاجزة عن تحقيق أهدافها، وكذلك بعض منظماتها التي وقفت عاجزة عن مساعدة اللاجئين مثلا، وتركت بلدا مثل الأردن بإمكانياته المحدودة يحمل عبء اللاجئين السوريين على كاهله!
ومع تفاوت النظرة لهذه المسألة من بلد لآخر، فإن الأردن يؤمن بمكانة وأهداف تلك المنظمة، ويشارك في اجتماعات جمعيتها العامة على أعلى مستوى، لأن البديل هو المزيد من الفوضى في العلاقات الدولية، كما أنه يدرك بأن التحالفات الإقليمية والدولية هي أمر طبيعي تفرضه المصالح المشتركة لمجموعة من الدول، دون أن تتعارض مع المواثيق الدولية، وقد أثبت دائما أنه يأخذ اجتماعات وفعاليات الأمم المتحدة على محمل الجد، تأكيدا لمكانته ودوره في المجموعة الدولية، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، ولكنني أكتفي بمثال مشاركتنا في قوات حفظ السلام الدولية في مناطق متعددة من العالم.
في هذه الدورة للجمعية العامة للأمم المتحدة، كان الأردن موجودا بقوة في القاعة وفي الكواليس، والمتابع لخطاب جلالة الملك الذي ألقاه سمو ولي العهد الأمير الحسين كممثل لجيل الشباب أيضا، والمتتبع للمحادثات الهامة التي أجراها جلالته بمناسبة انعقاد الجمعية العامة سيلاحظ الرسائل الأردني بوضوح، أذكر منها: حل القضية الفلسطينية هو مفتاح حل قضايا المنطقة، الأزمة السورية يجب أن تحل سلميا وبما يضمن وحدة شعبها وأراضيها، كذلك بقية القضايا التي تهدد الأمن الإقليمي والدولي، يجب تحكيم العقل لحلها، ووضع حد للمآسي الإنسانية الناجمة عنها.
أما الرسالة التي تضمنها خطاب ولي العهد فهي رسالة الأمل التي تحمل أكبر سؤال يوجهه الشباب للقادة الكبار، أي عالم ستورثوننا إياه إذا بقي الحال على هذا الحال؟!