المواقع الإخبارية 17-2-2018
فقر وإسراف!
بغض النظر عن الإجراءات الحكومية لمعالجة عجز الموازنة والدين العام، نحن نقف اليوم أمام مرحلة حرجة تدفعنا إلى تفكير جدي في عاداتنا الاستهلاكية وجانب كبير منها مرتبط بتقاليدنا والتزاماتنا تجاه المناسبات الاجتماعية من بينها حفلات الزواج وتقبل العزاء، فضلاً عن العقد الاجتماعية التي تدفع البعض إلى محاولة الظهور بمظهر غير حقيقي.
ترددت طويلاً قبل أن أكتب في شأن مختلف عليه، ذلك أنه خيار شخصي لا يمكن فرضه على أحد، وإن كانت بعض المبادرات الجماعية، أو النماذج الجريئة تشكل بداية للخوض في موضوع شائك، يحتمل النقد والانتقاد عندما يتصدى أحدهم ليقول لك هناك شريحة واسعة من المجتمع غير قادرة على توفير الحد الأدنى من متطلباتهم المعيشية، بينما أنت تتحدث أو تنوي التحدث عن الإسراف!
ولكن إذا نظرنا إلى كثير من العادات التي قد تختبر كرامة الإنسان، سنجد من يتداين أو يرهن أرضًا أو يبيعها من أجل حفل زواج ابنه أو ابنته، وسنجد ميسورًا يبالغ كثيرًا في مثل تلك المناسبات، ويساهم بالتالي في تعميق الحق الطبقي، وهذه طبيعة بشرية نجدها عند كل الشعوب، حتى إن تلك المبالغة ممقوتة ومنبوذة، لأنه في مقابل السعادة التي يحققها لنفسه وضيوفه يخلق ألمًا وتعاسة لدى كل أولئك الذين اشتغلوا على المناسبة السعيدة من جمهور العمال والموظفين البسطاء.
في وعينا الديني نعرف أننا منهيون عن الإسراف، بل يوصف المسرفون بأنهم إخوان الشياطين، لما يحدثونه من خلل في المجتمع، خاصة عندما يكون المجتمع فقيرًا في مجمله، وعندما تكون البلاد تحت تأثير أزمة اقتصادية عابرة أو دائمة، وتكون التوقعات منصبة على واجب الأغنياء تجاه الفقراء في نطاق عملية تكافل وتضامن اجتماعي منظمة وفاعلة.
ومثلما نتحدث عن المسؤولية المجتمعية لشركات ومؤسسات القطاع الخاص، فمن المناسب أيضًا أن نتحدث عن الثقافة المجتمعية حول العادات الاستهلاكية، والواقعية، وضبط الإنفاق، والمواءمة بين الطموحات والقدرات، فلم يعد ممكنًا التمسك بالكماليات إذا لم نعد قادرين على دفع ثمنها، والأمثلة كثيرة تشمل كل الطبقات.
إن الأسعار ليست مرتبطة بصورة دائمة بقيمة السلعة مهما كان نوعها، إنها مرتبطة بشكل أعمق بالعرض والطلب، ومستوى الاستهلاك، وإن كنت أعفي نفسي من ضرب الأمثلة تحاشيًا للانتقاد، فإن كل واحد منا يعرف الشيء الذي يستطيع التخلي عنه أو التقليل من استهلاكه!
لدينا فقر، ولدينا إسراف، وجسر الهوة بينهما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حملة وطنية، بل ومشروع وطني ينظر إلى الوطن وكأنه أسرة واحدة وبيت مشترك، أما أن نواصل الحال الذي نحن عليه الآن، فذلك يعني أننا لا نبحث عن الوسائل الصحيحة للخروج من أزمتنا، مكتفين بالشكوى والتذمر، والنأي بأنفسنا عن المسؤولية الوطنية، وهي مسؤولية يقف الجميع فيها على نفس المستوى من الأهمية، وإن تفاوت الدور والتأثير.