مجلة الأقصى 1-3-2018
بين الحوكمة والعسكرة والتجييش !
منذ عدة سنوات ونحن نعمل على حوكمة المؤسسات العامة والخاصة لتحقيق مبادئ التشاركية والنزاهة والمساءلة، بما يضمن حسن الأداء، وجودة المخرجات، والحفاظ على المصالح العليا للدولة، وما زلنا نواصل جهودنا من خلال الأمانة العامة لمجلس حوكمة الجامعات العربية الذي يعمل على تطبيق معايير الحوكمة في الجامعات، ويقدم الخبرة لمن يطلبها من المؤسسات والهيئات المختلفة.
في المقابل تظل القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي مثلا أعلى للمؤسسات الأردنية جميعها، فهي المؤسسات الأولى في الدولة منذ نشوئها، وهي بالإضافة إلى مهامها ومسؤولياتها الكبيرة في حماية الأمن والاستقرار، والدفاع عن الدولة ومنجزاتها، تساهم في التنمية الشاملة بجميع أشكالها البشرية والعملية، بل إن عقيدتها العسكرية تحمل من القيم والمبادئ والمثل العليا الإنسانية ما جعل مشاركاتها في قوات حفظ السلام الدولية تحوز على احترام الجيوش الأخرى، والشعوب التي ذهبت من أجل رفع الظلم والأسى عنها.
لا يوجد في منطقتنا جيش يشبه الجيش العربي الذي تعود تسميته بهذا الاسم إلى الثورة العربية الكبرى التي قامت على يد الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه من أجل استقلال الأمة، وحفظ كرامتها، وتحقيق طموحاتها المشروعة، فهو من هذه الناحية جيش نهضوي، مثلما هي الثورة العربية الكبرى “ثورة نهضوية” جمعت من حولها أحرار الأمة ومفكريها ووجهائها على الإيمان بالله، والتأسي بخلق وسنة النبي العربي الهاشمي محمد صلوات الله وسلامه عليه.
عندما نتحدث عن الحوكمة نجد أن القضية تتعدى الأبعاد التشريعية والقانونية والمؤسسية إلى الأبعاد الأخلاقية للقائمين على المؤسسات، وكل من يعمل فيها، وكذلك عن الضبط والربط، وتحديد الأهداف والوصول إليها، أي كسب المعركة وتحقيق النصر على العقبات والتحديات والأزمات.
ما من مرة تحدثت فيها مع شركائنا في نشر ثقافة الحوكمة وتطبيقها إلا كانت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي نموذجا أتمنى أن تدركه بقية مؤسساتنا الوطنية لكي يكون مفهوم “العسكرة” الذي يعني الشدة والثبات هو المفهوم الذي نقصد به الجدية والالتزام في إدارة المؤسسات المدنية، ومن هنا قد يصلح مصطلح “العسكرة” من أجل الإصلاح الشامل، ومواجهة التحديات والمخاطر، والاعتماد على النفس في بلدنا الأردن، الذي يصمد بالقوة والعزيمة في مواجهة أزمته الاقتصادية، وفي حماية أمنه واستقراره، وجيشه الباسل يسيجه من جميع الحدود المحيطة به، وأجهزته الأمنية تحميه من التطرف والإرهاب، وقوى الشر التي تستهدفه من الداخل والخارج على حد سواء.
فوق ذلك كله تعالوا نتأمل في القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله، لنرى صورة القائد الإستراتيجي الذي يجمع في شخصيته ثنائية العسكري والسياسي في آن معا، ينظر إلى الواقع من حيث هو دافع للتغيير نحو الأفضل، ويملك نظرة عميقة تجاه الأحداث والتطورات، ويستشعر أبعادها ونتائجها، ويتولى بنفسه شرح الصورة كما يراها للمسؤولين من حوله ولشعبه أيضا، كي يعد الجميع أنفسهم للتعامل مع كل الاحتمالات.
بين العسكرة والحوكمة عناصر كثيرة مشتركة، ولكن العنصر الأهم هو “التجييش” أي حشد كل ما نملكه من قدرات عسكرية ومدنية لحل مشكلاتنا الداخلية، والدفاع عن أمننا واستقرارنا واستقلالنا، ومكتسبات دولتنا ومنجزاتها، وضمان مستقبل أجيالنا القادمة.