المواقع الإخبارية 22-3-2018
الفيحاء!
الفيحاء التي أقصدها، ليست البصرة في العراق، ولا دمشق في سوريا، ولا طرابلس في لبنان، إنها قرية الفيحاء في مأدبا، التي زارت جلالة الملكة رانيا العبد الله مدرستها الثانوية للبنات، التي يوجد فيها خمس عشرة غرفة صفية، وتدرس أكثر من أربعمئة طالبة من الروضة حتى الثانوية العامة، وفيها جمعية سيدات مأدبا الخيرية التي تعمل على تمكين السيدات من إقامة مشاريع إنتاجية صغيرة مدرة للدخل.
الفيحاء في اللغة تعني المكان الواسع، وتعني كذلك الحساء فيه التوابل، ولكن معناه الإضافي نجده في فيحاء مأدبا التي تتسع للمبادرات الخلاقة، والمشاريع الصغيرة، والتعليم، حيث الغرف الصفية القليلة أو الصغيرة بحجم العالم كله، وحساء الفيحاء يمكن أن يأتي من بيدرها.
ها نحن نهتم كثيرا بما يحدث في المنطقة من تطورات، وما نقوله كل يوم مجرد تكهنات، مصدرها التصريحات العلنية التي تذكرنا بالحرب الباردة، والتي ارتفعت درجات حرارتها في مناسبات كثيرة إلى أن انهار الاتحاد السوفيتي، الذي يعود الآن مرة أخرى تحت عنوان الاتحاد الروسي، وإحدى ساحاتها المشتعلة هي منطقتنا الممتدة من إيران مرورا بالعراق وسوريا ولبنان، وصولا إلى درعا على حدودنا الشمالية.
اهتمام له ما يبرره بمنطقة تضم ثلاثة مدن تلقب بالفيحاء، ولكن لا يوجد أي مبرر لكي لا نهتم بفيحاء مأدبا – الأردن، فقد سيطرت على عقولنا التطورات الإقليمية والدولية إلى درجة بتنا معها ننظر إلى قضايانا على أنها الأقل شأنا، وأن الحديث عنها لا يتناسب مع حروب متوقعة، وصفقات منتظرة.
لقد فاتنا أن نلحظ فيحاء الأردن التي تقدر قيمة الحياة ومعانيها، وفيها رجال يزرعون الحقول، ونساء تكافح لكسب العيش الحلال، وطلاب وطالبات يتعلمون، ويتطلعون إلى غد أفضل.
الفيحاء هي الأردن كله، مدنه وقراه وباديته ومخيماته، وهو ما يتوجب أن يكون أولويتنا الأولى، ولا يعني ذلك عدم الاهتمام بما يجري حولنا، لأنه يؤثر فينا دون شك، ولكن إعطاء الأولوية لمعالجة مشاكلنا، وتصويب أوضاعنا، وتفعيل قدراتنا، أصبح مسألة من الضروري منحها الأهمية التي يفرضها منطق “الاعتماد على الذات” وتعزيز قوة الدولة، وتمتين قواعدها، وتحصين أسوارها أيضا.
تقع الحرب أو لا تقع، تتفق الأطراف أو تختلف، هذا وضع مرشح للاستمرار زمنا طويلا، وبالنسبة لنا في الأردن سنواجه حتما المزيد من الصعوبات، سواء بقي الوضع الإقليمي على حاله، أو تحول إلى ساحة حرب إقليمية أو دولية.
ما نحتاجه اليوم هو التدقيق في الجغرافيا، كي نكتشف المزيد مما لدينا من إمكانات وقدرات، ولكي نعرف حقيقة ما يستطيع إنسان هذه الأرض المباركة فعله، وفي ظني أنه قادر على تحقيق المعجزات.