الرأي الثلاثاء 9-10-2018
الدراسة والدليل !
عنوان الدراسة التي أعلن عنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي ” الأوضاع المالية للجامعات الحكومية الواقع والحلول ” وهي دراسة على درجة عالية من الأهمية لأنها اعتمدت على معلومات ومسوحات وبيانات من الجامعات نفسها ، وتم إعدادها بطريقة معرفية أعمق وأدق ، وخرجت بتوصيات سيتم تحويلها بعد اقرارها إلى سياسات تنفذ عبر خطط برامجية وفق جدول زمني محدد ، طبقا لما صرح به رئيس المجلس الدكتور مصطفى الحمارنة .
أظهرت الدراسة أن أهم التحديات التي تواجهها تلك الجامعات تكمن في غياب الاستقلالية ، والمديونية ( 137) مليون دينار ، وضعف استقطاف المزيد من الطلبة الوافدين ، وعدم القدرة على التحول إلى مفهوم الجامعة المنتجة ، ولو كنت حاضرا ذلك الاجتماع الذي انعقد في الجامعة الأردنية لعرض الدراسة ، لوضعت كل تلك الأسباب والتحديات تحت عنوان ” غياب الحوكمة ” !
قبل عدة سنوات تعرفت على المبادئ التي تقوم عيلها وثيقة ” المغناكارتا ” التي أنشئت بمبادرة من جامعة بولونيا الايطالية ، والتي تضم حوالي 800 جامعة أوروبية ، وتتيح الفرصة لجامعات من خارج القارة الانضمام لها ، باعتبارها وثيقة أخلاقية تهدف إلى تكريس قيم التعليم الجامعي والبحث العلمي ، ودور الجامعات في تحقيق التقدم العلمي والثقافي والمعرفي ، ولكن الهدف الأسمى يتعلق بضمان استقلالية الجامعات في تحديد دورها ووسائلها في خدمة المجتمع الإنساني .
استقلال الجامعات هو الأساس ، ولكن حوكمة الجامعات هي الطريقة التي تحقق تلك الغاية ، ولذلك أقمنا منذ أربع سنوات مجلسا لحوكمة الجامعات العربية يتخذ من عمان مقرا له ، بهدف تعزيز تلك المفاهيم التي تحول الجامعات إلى مؤسسات حقيقية بالمعنيين القانوني والمؤسسي ، ووضع المجلس دليلا أعده خبراء متخصصون لكي تعتمده الجامعات في إدارة العملية الأكاديمية على أسس المشاركة والشفافية والمساءلة .
الجامعات سواء كانت حكومية أو أهلية تقف على مسافة واحدة من معظم التحديات التي أشارت إليها الدراسة ، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها تدرك طبيعة تلك التحديات ، وكيفية التغلب عليها ، وتعمل على حث الجامعات لتطوير أدائها وتحسين مخرجاتها ، وتعتمد معايير عالمية لتقييمها ، من أهمها شهادة الجودة التي تلزم حتما الجامعات الحاصلة عليها بالمحافظة على الانجاز وتعظيمه ، وفي ذلك ما يحقق قدرا من الارتقاء بالقطاع الأكاديمي الأردني .
الدراسة حللت جانبا من المشكلة ، وفي دليل حوكمة الجامعات العربية ما يقودنا إلى حلول عملية ، ولكني أجدد الدعوة مرة أخرى إلى ضرورة عقد مؤتمر علمي وطني يناقش واقع التعليم العالي في بلدنا ، ويفضي إلى إستراتيجية وطنية تأخذ في الاعتبار قضايا مثل الجامعة المنتجة ، والفضاء المعرفي ، ومناهج التدريس ، واستقطاب الطلبة الوافدين ، والانفتاح على المستوى العالمي ، والاستفادة من التجارب المثلى ، وغير ذلك من المحاور التي تزيد من قدرة هذا القطاع على تهيئة القوى البشرية المدربة والمؤهلة ، وتوظيف البحث العلمي لخدمة قضايا التنمية ، وعندها يتحول القطاع كله إلى قطاع إنتاجي ، يصب حصاده في مداخيل الدولة !