الرأي الثلاثاء 26-03-2019
خطوط حمراء !
بعد أيام قليلة من عودة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين من زيارة لواشنطن وصفت بأنها على درجة عالية من الأهمية ، توجه جلالته إلى الزرقاء ليلتقي مع أبنائها ، وليعلن من هناك أن قضية القدس بالنسبة له خط أحمر ، وأن موقفه لن يتغير أو يتبدل بشأن الولاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية ، وفي مقدمتها الحرم القدسي الشريف ، والمسجد الأقصى المبارك .
أرادت قلة توجيه الأنظار عن أهمية هذا الإعلان الصريح ، وعن الضغوط التي يتعرض لها جلالة الملك ، نحو طرح تساؤلات حول تعبير المملكة الهاشمية ، الذي استخدمه جلالة الملك في سياق تأكيده على التمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات في مدينة القدس ، وهي الوصاية التي يجمع عليها الأردنيون والفلسطينيون والعرب والمسلمون جميعا ، وتلك المحاولة البائسة لتوجيه الأنظار بعيدا عن لب القضية ليست بريئة !
جلالة الملك مطمئن إلى أنه مسنود في موقفه هذا من شعبه ومن الأمتين العربية والإسلامية وأنصار الحق في العالم كله ، وهو على يقين أن لا شيء يمكن أن يغير من الحقائق الدينية والتاريخية والقانونية بشأن القدس ، وأن جميع الاجراءات التي يتخذها الاحتلال الإسرائيلي باطلة بحكم القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، حتى وإن اعترفت الإدارة الأمريكية بها عاصمة لليهود ، ونقلت سفارتها إليها ، ذلك لا يغير من تلك الحقائق شيئا ، حتى لو لامست الإدارة الأمريكية بذلك الخطوط الحمراء جميعها !
جلالة الملك يعرف كيف تفكر الإدارة الأمريكية ، وكذلك الإدارة الإسرائيلية ، وتغريدة الرئيس ترامب بشأن السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية ، ليست مفاجئة بالنسبة له ، فقد كانت الخطوة الثانية التي دعا الإسرائيليون الرئيس الأمريكي الإقدام عليها ، بعد اعترافه بالقدس عاصمة لهم ، وهم اليوم يطالبونه بالخطوة الثالثة ، أي الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية من منطلق الحفاظ على أمن إسرائيل ، تلك المهمة التي يقول وزير الخارجية بومبيو إن الله أرسل ترامب إلى الأرض من أجلها ، وأنه واثق من أن الرب يعمل معهم !
هذا الرجل واحد ممن اجتمع معهم جلالة الملك خلال زيارته الأخيرة لواشنطن ، فماذا عن البقية مثل نائب الرئيس مايك بنس ، ومستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنير ، وجيسون غرينبلات ، وأي نتائج استخلصها من المحادثات المعمقة مع لجان مجلسي النواب والكونغرس الأمريكي ، وهل يمكن قراءة ما أعلنه من الزرقاء من موقف صارم تجاه القدس إلا في سياق عدم التسليم بالأمر الواقع ، والتوكل على الله ، والتمسك بالحقوق العربية والإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة؟
كثيرة هي الخطوط الحمراء ، ولكن هناك خطا أحمر نراه بوضوح ، وهو عدم المساس بوحدة الموقف تجاه هذه القضية ، والتشكيك في قدرتنا على مواجهة هذا الانحراف في إدارة الشؤون الدولية ، أو التقليل من عزيمة التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية ، والاستيلاء على الحرم القدسي الشريف ، ظنا من البعض أن ذروة عنجهية القوة بلا نهاية ، إنها في الحقيقة في بداية سقوط تدريجي !