الموقع الإخباري جو 24 21-04-2019
شيء من المنطق!
تريد الحكومة من القطاع الخاص أن يساهم معها في حل مشكلة التشغيل والتوظيف ضمن خطتها لحل مشكلة البطالة، هذا أمر جيد من حيث المبدأ، ولكن ينقصه الكثير من المنطق المشترك بين فهم الحكومة وأسلوبها في معالجة تلك المشكلة، وبين فهم القطاع الخاص الذي يعتبر المشغل الأول للقوى البشرية الأردنية، رغم ما يواجهه من مشاكل وعقبات حالت في السنوات الأخيرة بينه وبين إمكانية توسيع آفاقه، وزيادة حجم استثماراته نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يعود أحد أهم اسبابها لفشل السياسات الحكومية، فضلا عن الأزمات والحروب الدائرة في الدول التي تعد سوقا تقليدية للمنتجات الأردنية.
التشغيل لمجرد منح العاطلين عن العمل رواتب دون الحاجة لخدماتهم، تعني البطالة المقنعة وهي التي تعرفها المؤسسات الحكومية أكثر من غيرها، ولعله من الضروري التوقف طويلا عن اجراءات الإحالة على التقاعد، والتقاعد المبكر للتخلص من الحمولة الزائدة في مؤسسات الدولة الحكومية، في مقابل تخلي العديد من مؤسسات القطاع الخاص أيضا عن موظفيها والعاملين فيها نتيجة تراجع أعمالها أو تصفيتها، وتلك الحقيقة لم تكن محل اهتمام من أي جهة لأننا ما زلنا أبعد ما نكون عن فهم نظرية الاقتصاد الكلي، التي يشكل القطاع الخاص ركنا أساسيا فيها، ويشارك القطاع العام في رسم السياسات، ويتقاسم معه الأدوار، ويتحمل إلى جانبه مسؤولية الأداء والنتائج.
نحن نواجه اليوم تحدي البقاء لكثير من مؤسسات القطاع الخاص، التي تحاول بالكاد الحفاظ على بقاء مصالحها، ولو في الحد الأدنى، وربما أصبحت الأولوية هي ايجاد الحلول التي تضمن بقاء العاملين في وظائفهم لأسباب إنسانية، ولا أتصور أن المسؤولين الحكوميين ليسوا على اطلاع على تلك الحقائق، وهم يعرفون أن القطاع الخاص ليس في وضع جيد، وأن حاجته من القوى البشرية في الغالب الأعم تكمن في القوى المدربة والمؤهلة للمساهمة في عمليات الانتاج!
كان من الأولى أن تراجع الحكومة الأثر المتوقع لقوانين الضريبة العامة، وضريبة المبيعات على المصانع والمؤسسات التجارية لتعرف ما إذا كانت ستساهم في نموها أم خنقها، فقد كان هدفها زيادة مداخيل الموازنة العامة، بغض النظر عن الأسباب التي أظهرت القطاع الخاص وكأنه متهرب بمجمله من الضرائب، وأنها تأخذ حقها منه، على أنه مزدهر إلى الحد الذي سيساعد على حل مشاكل العجز والفقر والبطالة!
طبعا من واجب القطاع الخاص أن يتحمل مسؤولياته الوطنية إلى جانب الحفاظ على مصالحه الاستثمارية وتنميتها وتوسيعها، ولكن يتوجب على الحكومة أن توفر له الأرضية والمساحة التي يوسع فيها أعماله لكي يستوعب المزيد من القوى العاملة، بل ويعمل على تدريبها وتطويرها، ليس من اجل تلبية احتياجاته وحسب، بل واحتياجات الدولة، وسوق العمل الخارجي.
إن أحد أهم دوافع الدول لتنمية القطاع الخاص إلى جانب زيادة مواردها هو التشغيل الذي يعني الحياة الطبيعية لأفراد المجتمع، وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه، وبالتالي ضمان الأمن والاستقرار والرضى العام، وتلك الأهداف تشكل القاعدة الأولى في إستراتيجيات الدول وخططها الإنمائية التي محورها الإنسان، وتلبية حقوقه الأساسية وطموحاته، ومستقبل أجياله.
أنا ادعو إلى وضع إستراتيجية وطنية للتشغيل، يرسمها القطاعان العام والخاص معا، وعلى المستوى نفسه من المسؤولية المشتركة، وبناء على أسس صحيحة للشراكة بينهما التي يدعو إليها جلالة الملك ليل نهار، وما تزال غائبة من حيث فهم طبيعة الشراكة المطلوبة في بلد يواجه أزمة اقتصادية واجتماعية حقيقية، ويواجه تحديات وضغوطات خارجية، وهو بأمس الحاجة لجميع عناصر القوة كي يتجاوزها، ومنها كما هو أكيد ترتيب بيتنا الداخلي، واستحضار قدراته البشرية، وميزاته التنافسية، وموقعه الجيوسياسي، وبشيء من المنطق يمكن لنا أن نوحد موقفنا وتوجهاتنا لحل مشكلة البطالة وغيرها!