الرأي الثلاثاء 14-05-2019
الجراد والحوكمة !
تدل التصريحات الصادرة عن وزارة الزراعة على أنها قد نجحت في القضاء على أكبر سرب جراد دخل إلى الأردن ، وتم إنهاء خطره تماما ، بعد التصدي لسرب آخر ، وذلك ضمن خطة للمكافحة شاركت فيها طائرات هليكوبتر تابعة لسلاح الجوي الملكي إلى جانب مركبات ومعدات وأجهزة الوزارة .
تستحق تلك الجهود الوطنية لمقاومة الجراد الذي دخل إلينا من الحدود السعودية ، والذي يبدو أن مصدره منطقة حضرموت في اليمن ، الشكر والتقدير ، فالدلائل تشير إلى وجود عمل منظم ، مستند إلى قدر من الحوكمة ، ظهر من خلال التشاركية في قرارات وإجراءات التصدي لأعداد هائلة من الجراد ، وتم وضع الأردنيين عموما ، وسكان المناطق التي هاجمها الجراد بكل شفافية ووضوح منذ اقترابه من الأجواء الأردنية إلى أن تم القضاء عليه .
في السنوات الأخيرة ، انشغلت منظمة الأغذية والزراعة الدولية والعديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية بدراسة أثر التغييرات المناخية على الزراعة ، والأحوال الجوية القاسية وخاصة الجفاف والفيضانات ، وما ينتج عنها من انخفاض في المحاصيل والعائدات المالية ، وغيرها مما يلاحظ أنه في تزايد مستمر .
وليس الجراد بعيدا عن مفهوم الكوارث الطبيعية ، فهو قادر على تدمير المحاصيل الزراعية بساعات قليلة ، وتحتاج عمليات مقاومته إلى تنسيق بين دول الإقليم الواحد ، وإلى متابعة سيره بالإحداثيات والقياسات الزمنية وسرعة الرياح وغيرها ، وهذا يعني أن الأجهزة المعنية تحتاج إلى غرفة عمليات ، أو خلية إدارة أزمة ، إلى جانب خطة مرسومة ، وإجراءات تنفيذية في الجو وعلى الأرض .
الخبراء أوجدوا بعدا جديدا من أبعاد الحوكمة أسموه ” الحوكمة التكيفية للكوارث ” التي تستند إلى الإدارية والتشاركية والاستباقية ، وهي عبارة عن منظومة تتفاعل مع بعضها البعض من أجل معالجة مشكلتي الجفاف والفياضانات لدى المزارعين ، وخاصة في المناطق الريفية ، وربما يكون المقصود هنا بالتكيفية هو التعامل مع أمر واقع لا يستطيع الإنسان منعه ، ولكنه يستطيع التكيف معه والتقليل من آثاره السلبية .
ما من شك أننا في الأردن نشعر بالتغير المناخي كل يوم ، وفي الشتاء الفائت أدت الفيضانات إلى خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات ، وأظهرت نجاحات هنا ، واخفاقات هناك ، وكان الدرس المستفاد قاسيا ، عندما شعرنا أن الاحتياطات لم تكن كافية ، وأن الإجراءات لم تكن منظمة ، وكانت الطريقة التي اتبعت لتحديد المسؤولية عن التقصير أقرب إلى التعبير عن البعد الأخلاقي ، في حين يظل البعد المتمثل في القيمة الحقيقية للمسؤولية السياسية والإدارية هي الأكثر فائدة للدولة ومؤسساتها .
هذه المرة لا نتحدث عن اي تقصير ، وهنا يمكن التذكير بأن المساءلة أحد أضلاع مثلث الحوكمة لا تعني التوبيخ والعقاب وحسب ، بل تعني كذلك الشكر والثواب ، وها أنا بدوري أوجه الشكر لوزارة الزراعة ولسلاح الجو الملكي وكل من شارك في العمليات الناجحة لانقاذ حقولنا من الجراد ، بواسطة خطة مدروسة وإجراءات محوكمة !