الرأي الثلاثاء 28-05-2019
بريطانيا تفوز بالحوكمة !
خسرت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي منصبها زعيمة لحزب المحافظين ، وخلال عدة أيام ستغادر مقر الحكومة في 10 شارع دونينغ ، بعد أن أعلنت عن استقالتها على خلفية فشلها في إقناع معارضيها في مجلس العموم البريطاني ، وحتى في حزبها بخطة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي المعروفة بخطة ” بريكست ” الخاصة بخروج بريطانيا على أثر الاستفتاء العام الذي عبرت فيه أغلبية من الشعب البريطاني عن تلك الرغبة.
أعطيت أوصاف كثيرة لخطاب استقالة السيدة ماي ، وتأثر كثيرون بانفعالها العاطفي واختناقها بالعبرات ، حين كانت تتحدث عن حبها لبريطانيا ، ذلك الحب الذي دفعها إلى تقديم استقالتها ليس لأنها عاجزة عن خيارات أخرى ، مثل الانسحاب من دون شروط ولا ترتيبات مع الاتحاد الأوروبي المتمسك بالخطة ، بل لأن فوز بريطانيا هو الأساس ، حتى أولئك الذين رفضوا خطتها وأسلوبها في إدارة الحوار مع الاتحاد يفكرون بنفس الطريقة ، أي فوز بريطانيا في نهاية الشوط.
بغض النظر عن كل التفاصيل المتعلقة بمحاذير بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فقد أبدى قادة أوروبا الذي علقوا على استقالة السيدة ماي أسفهم لاستقالتها ، دون أن يبدوا أي اهتمام للاختلاف الدائر بين البريطانيين حول خطة الانسحاب ، وكان الرد الأوروبي واضحا من هذه الناحية ” إن استقالة ماي لن يغير شيئا من موقف الدول السبع والعشرين الأعضاء الآخرين ” !
بالطبع هذه فرصة جيدة للاتحاد الأوروبي كي يظهر وحدة موقفه من العلاقة ببريطانيا ، ويظهر تماسكه أيضا كاتحاد يعبر عن مصالح أوروبا ، ويحاول الصمود في الحرب العالمية التجارية القائمة حاليا بين الولايات المتحدة والصين ، بمشاركة أطراف عديدة بصورة مباشرة وغير مباشرة ، لقد شكلوا فريقهم كما يبدو لخوض المباراة مع بريطانيا حتى نهاية الشوط الثاني ، ومع ذلك فقد فازت بريطانيا على نفسها أولا .
التشاركية في اتخاذ القرار هو أساس الحوكمة ، أو الحاكمية الرشيدة ، وقد يكون القرار أحيانا هو عدم اتخاذ قرار ، كما حصل مع السيدة ماي ، بشأن خطة الانسحاب ، أما الشفافية فقد تجلت في كل حرف قيل وكل إجراء اتخذ ، والمساءلة تعني كذلك مساءلة النفس حين تقرر رئيسة وزراء بريطانيا الاستقالة بسبب فشلها في إقناع الشرعية البريطانية بالخطة ، فخسرت بذلك منصبها ، ولكنها لم تخسر وطنيتها وحبها لبلدها ، ومصالحه العليا ، وهكذا تفوز بريطانيا بالحوكمة!