الغد الإثنين 23-09-2019
توطين الأزمة الاقتصادية !
لدينا حاجز كبير في التفاهم على كيفية مواجهة أزمتنا الاقتصادية الصعبة ، وإذا بقي الحال على هذه الحال سيتحول واقعنا الاقتصادي إلى أمر واقع ، أو إلى حالة دائمة ، وكأنها حياة طبيعية معتادة ، نتعايش معها بمنطق البلدان الفقيرة ، ثم يتسع مفهوم الفقر من بعده المعيشي ليشمل الفقر في كل شيء ، في التفكير والتخطيط والإدارة ، والبنى التحتية ، وعمل المؤسسات العامة والخاصة !
هذا تصور لا يليق بنا أبدا ، وكل الكلام الذي نقوله في المؤتمرات والندوات والمحاضرات بلا قيمة ولا وزن ، مجرد كلام في الهواء لأن الفوارق بينه وبين تحويل الأفكار إلى قرارات عملية وإجراءات كثيرة وكبيرة ومعقدة ، ويستطيع كل واحد منا أن يدرك حجم الضيق الذي يشعر به رئيس وأعضاء الحكومة عندما يستمعون إلى الأفكار المبهرة ، والنصائح المثالية لمعالجات نظرية لواقع يفرض نفسه بالحقائق والأرقام ، وكأن حل الأزمة يتم عن طريق أفكار سديدة ، يعتقد معظم مقترحيها أنها غائبة عن أصحاب القرار !
تلك هي طبيعة العلاقة الكلامية بين الحكومة والقطاعات الأخرى ، ومنها القطاع الخاص، والنقابات والأحزاب وغرف الصناعة والتجارة وخبراء المال والأعمال ، وغيرهم كثيرون يشكلون اليوم حالة التعبير الأدبي عن أزمة اقتصادية كبيرة جدا ، ولها جذور وامتدادات دولية وإقليمية ، وسياسات نلمس فشلها الذريع ، ولا نقدر على محاكمتها أو معالجة آثارها ، فمعظمها يستند إلى تشريعات وقوانين وأنظمة وتعليمات ما تزال سارية المفعول ، ولا تجد من يعلق أجراسها !
لا أدري كم نحتاج إلى وقت كي نشكل فهما جديدا لمعنى الشراكة بين القطاعين العام والخاص من واقع الأزمة ، فما زلنا نفهم العلاقة على أنها مجرد مشاريع ينفذها القطاع الخاص لإنجاز مشاريع حكومية ، مع أن واقع الأزمة يفرض علاقة في مستوى الشراكة في التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية ، بل في إدارة الأزمة من خلال مجلس مشترك يتحمل المسؤولية المشتركة في القرارات ونتائجها .
هل تعلمون أن لدينا قانون للشراكة بين القطاعين العام والخاص منذ عام 2014 ، وهناك مجلس يرأسه رئيس الوزراء ، وليس من بين أعضائه أي ممثل عن جمعية رجال الأعمال أو غرف الصناعة والتجارة ، أو جمعية البنوك الأردنية ، وهناك وحدة بوزارة المالية تسمى وحدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، تدرج على موقعها الإلكتروني ستة عشر مشروعا ، ليس من بينها إلا القليل من مشروعات ذات بعد إستراتيجي أو انتاجي أو تشغيلي للعمالة الأردنية ، والقانون ذاته يتيح الفرصة لممثل الجهة المتعاقدة من القطاع الخاص للجلوس مع المجلس الحكومي ؟
ستقول الحكومة مللنا من التنظير ، ويقول القطاع الخاص مللنا من الانتظار ، ومن تحمل أعباء أزمة لا توجد مؤشرات على أنها تحت السيطرة ، حتى يمل الجميع ، وتصبح الأزمة أمرا واقعا غير قابل للتغيير أو التبديل ، ولكن العقل والمنطق يقول نحن نملك القدرة على السيطرة على الأزمة إن لم نكن قادرين على حلها أو مواجهتها ، ولكننا لا نفعل ما يكفي لخلق تلك القدرة ، ما دام حاجز اللغة بين مؤسسات الدولة العامة والخاصة يتحول إلى جدار يزداد طولا من يوم إلى يوم ، وما دام كل طرف يطالب بحقوقه ، ويتغاضى عن واجباته !