جريدة الغد بتاريخ 15 آب 2012
التفكير الاستراتيجي عملية إبداعية في استشراف المستقبل انطلاقاً من الماضي والحاضر، يهتم بمعالجة البصيرة، وينجم عنه منظور متكامل لمستقبل المؤسسة، من خلال عملية تفاعليّة ناجمة عن حُسن توظيف الحدس والإبداع في رسم التوجّهات الاستراتيجية. وهو الطريق الأكثر إبداعاً وإثراءً للتفكير في كيفيّة تحديد القضايا المستقبليّة، والفرص والتهديدات التي تواجه المؤسسة، بما يكفل استمراريتها وتطويرها. وهو الذي يعمل على توفير القدرات والمهارات اللازمة للتخطيط الاستراتيجي، ومن ثم الوصول إلى الإدارة الاستراتيجية، إذ إن هذا التفكير يمد صاحبه بالقدرات الخاصة التي تعينه على فحص وتحليل عناصر البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة، وهو بذلك يؤدي إلى بناء استراتيجية ناجحة تجمع بين عدد كبير من العوامل المتعلّقة بهاتين البيئتين، وغايات المؤسسة والقضايا المتعلقة بالثقافة السائدة داخلها، وهو السبيل إلى وضع خطط وبرامج وسياسات المنظّمة.
ويُعد التفكير الاستراتيجي خطوة سابقة للتخطيط الاستراتيجي الذي يُعد عملية نظامية تهدف إلى دعم القادة ليكونوا على وعي بأهدافهم، ووسائلهم. وبذلك، فالتخطيط الاستراتيجي يعد أداة إدارية، لا تستخدم إلا لغرض واحد، هو مساعدة المؤسسة على أداء عمل أفضل وأكثر جودة. وبذلك، فهو يساعد المؤسسة على تركيز نظرتها المستقبلية وأولويتها في الاستجابة للتغيرات التي قد تحدث في البيئة المجاورة. وهو يضمن عمل جميع أفراد المؤسسة باتجاه تحقيق الأهداف نفسها. وبالتالي، يصبح المقصود من كلمة “استراتيجي” إضفاء صفة النظرة المستقبلية طويلة الأمد والشمول على التخطيط.
وبذلك، يمكن القول إن التخطيط الإستراتيجي هو الاختيار الأفضل للاستجابة للظروف التي تشكل بيئة ديناميكية، وهو عملية نظامية تُعنى بالمستقبل، وفي الوقت نفسه هو وسيلة للتفكير والتصرف من أجل عمل تغيير وتطوير معين، وهو عملية مستمرة تتراكم فيها الخبرات التي يتم تطويرها. ومن خلاله، يمكن الوصول إلى الإدارة الاستراتيجية التي تُعد مجموعة من القرارات والنظم الإدارية التي تحدد رؤية المؤسسة ورسالتها طويلة الأمد في ضوء ميزاتها التنافسية، وتسعى نحو تنفيذها من خلال دراسة ومتابعة وتقييم الفرص والتهديدات البيئية وعلاقتها بالقوة والضعف التنظيمي وتحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، وهي تشكل إطارا لتوجيه المراحل الأخرى للإدارة. ويتضمن ذلك التوجيه لبعض الوظائف الإدارية مثل تصميم البرامج، ووضع الموازنات الخاصة بالبرنامج، ووضع الهياكل وتطوير الموارد البشرية وتقييمها، كما توفر إرشادات لتوجيه الموارد والمهارات إلى النشاطات ذات الأولوية القصوى. ويتطلّب ذلك بذل المزيد من الجهود الفكريّة، وكثيرا من الانضباط والالتزام، وتوافر الرغبة والمهارة لاختيار المسارات الزمنية للأداء بدلاً من الانتظار حتى وقوع الأحداث والأزمات التي تدفع إلى اتخاذ ردود فعل عقيمة.
وفي كثير من الأحيان يكون الانتظار –بسبب عدم التأكد مما يجب عمله- سبباً في التأخّر عن اتخاذ إجراء فعّال، أو حتى تحمل النتائج السلبية الكبيرة. لذا، وبسبب الأهمية الكبيرة للتفكير الاستراتيجي الذي يقود إلى التخطيط الإستراتيجي، ومن ثم إلى الإدارة الاستراتيجية، نجد أن الكثير من برامج تطوير الذات قد بدأت في تطبيق أساليب تحقيق التطوير الفردي والارتقاء المهاري. لذا، جاء التفكير الاستراتيجي من أجل زيادة مقدرة المؤسسة على استشراف مستقبلها، وزيادة مقدرتها على مواجهة أي مستجدات ضمن بيئتيها الداخلية والخارجية، وبالتالي مواكبة المستجدات والمقدرة على التأقلم والبقاء والاستمرار والارتقاء بالأداء العام للمؤسسة والعاملين فيها، للمحافظة على الجودة والوصول إلى الميزة التنافسية.
yacoub@meuco.jo