جريدة الغد بتاريخ 1 آب 2012
يعد تطبيق الحاكميّة في الجامعات من أهم الأنظمة الأساسية التي تهدف إلى تحقيق جودة القيادة والإدارة والأداء، وجودة العمليات والمخرجات، وبالتالي تحقيق الجودة الشاملة. كما أن التعليم العالي بمؤسساته يمثل الأرضية المناسبة لتطبيق قواعدها ومبادئها، وخير مثال على ذلك نجاح المملكة المتحدة في تطبيقها للحاكمية في جامعاتها، ما أسهم وبشكل واضح وفاعل في بلوغ تلك الجامعات مراكز متقدمة في التصنيف العالمي للجامعات.
لذا، يجب أن يشمل تطبيق الحاكمية جميع مكونات الجامعة، انطلاقاً من أنها تعد نظاماً متكاملاً، مكوناً من مجموعة من العناصر المتداخلة والمتشابكة والمتفاعلة التي تسعى إلى تحقيق أهداف محددة.
وبذلك، تكون قواعد الحاكمية وتفاعلاتها ضرورية لمحاربة الفساد (المادي والمعنوي) ومقاومته والتخلص من أضراره. ولكن في حال عدم تطبيقها في الجامعات، فسينعكس ذلك سلباً على قواعد الحاكمية ومبادئها، وبالتالي على عملياتها ومخرجاتها وقياداتها وإدارتها، ومن ثمّ على بيئتيها الداخلية والخارجية. وسيؤدي ذلك إلى زيادة الطرد الاستثماري، وبخاصة في الجامعات الخاصة؛ إذ لا يستطيع أي شخص أن يستثمر في جامعة ما تعاني من انتشار الفساد فيها، ما يفقد الجامعة مصداقيتها، سواء بالنسبة لعملياتها أو مخرجاتها، وبالتالي شيوع حالات اللامسؤولية، وعدم الالتزام العملي أو الأخلاقي أو المهني، في ظل ضياع كامل الحقوق والالتزامات، إضافة إلى زيادة الضبابية وعدم القدرة على الرؤية مع ازدياد حجم المجهول وحالات الغموض. ويتولد في الجامعة عدم الثقة والخوف من المستقبل، خاصة مع احتمالات التغيير والرفض لما هو قائم فيها. ويزداد فيها الشعور بالعدميّة وعدم القدرة على العمل، إذ يتحول جميع العاملين إلى آلات لا تعمل، ويختفي بذلك الحافز للعمل، ما قد يؤدّي إلى زيادة حالات الاغتراب والانفصال عن الواقع، ما قد يضطر الجميع إلى استخدام التزييف والتزوير واستخدام كافة الأساليب غير المشروعة لإظهار الأمر على غير حقيقته. وهذا من شأنه أن يخلق واقعا زائفا مصطنعا لا يُعبر عن حقيقة أوضاع الجامعة. هذا إضافة إلى عدم التقيّد بالتعليمات النافذة، وسيادة الرشوة والمحسوبية وانقلاب المعايير، والعصيان والتمرد وعدم الطاعة، إضافة إلى الصراع بين العاملين وعدم الانسجام أو عدم التوافق فيما بينهم، والشعور بالقهر وعدم إبداء الرأي.
وقد يؤدي عدم تطبيق الحاكميّة إلى شيوع أعمال الشغب والعنف الطلابي، بسبب غياب المُساءلة والمشاركة والشفافية، وغياب الانسجام والتوازن بين جميع العاملين في الجامعة. إضافة إلى عدم القدرة على تشكيل مجالس الحاكمية بشكل ديمقراطي، وإن وجدت فهي غير قادرة على القيام بمهماتها على أكمل وجه وعلى تحمل مسؤوليتها، ما يؤدي إلى ضياع الجامعة بين المزاجية وسرعة التغييرات غير الاستراتيجية، واختفاء التخطيط الاستراتيجي، وانعدام العمل المؤسسي والأصول الأكاديمية، ومن ثم عدم قدرة الجامعة على المساهمة في التنمية المستدامة وخدمة المجتمع، ما يؤدي إلى عدم جودة المخرجات، وينعكس سلباً على الجامعة وسمعتها بسبب ضعف العمليات، والانغلاق وعدم الانفتاح على المجتمع وتقصي احتياجاته، وعدم قدرة الجامعة على تحملها لمسؤولياتها المجتمعية.
كما قد ينتشر نتيجة ذلك الفساد الأكاديمي الذي يعد أكبر تهديد لمشروعات الإصلاح القائمة في الجامعات، والذي تتجسد أبرز مظاهره في المتاجرة بالسلطة الأكاديمية للانتفاع الشخصي، وعدم وجود رؤية أو سياسة واضحة لتنمية قدرات القائمين على العمل الجامعي والارتقاء بمهاراتهم وقدراتهم العلمية وتغيير أنماط تفكيرهم، بدءا بالطالب وانتهاءً برئيس الجامعة، ما قد ينعكس سلباً على العملية التعلمية والبحثية، وبالتالي عدم قدرة الجامعة على القيام بوظائفها على أكمل وجه.
yacoub@meuco.jo