جريدة الغد بتاريخ 6 حزيران 2012
تُعد هذه القضية معقدة وذات أبعاد تختلف من بلد إلى آخر، بحسب الأوضاع الاجتماعية السائدة. ويصعب إعطاء رأي قاطع في الموضوع؛ فالعولمة ليست، في الحقيقة، حركة جديدة، إنما هي تتويج لاتجاه بارز في الاقتصاد الدولي منذ صعود الصناعة الحديثة وتوغلها تدريجيا، عن طريق الاشتراكية أو الرأسمالية، في كل أنحاء العالم. وقد توسعت هذه الحركة أحيانا ببطء، وأحيانا أخرى بسرعة، وانقطعت أحيانا بسبب الحروب الساخنة أو الباردة.
وفي المرحلة التي نحن فيها من حركة العولمة، يمكن أن تُعزى التغييرات الضخمة التي تؤثر على حجم القوى العاملة ومستوى دخلها في الدول الصناعية نفسها إلى موجة الابتكارات الصناعية الجديدة، خاصة في مجال الإلكترونيات والاتصالات اللاسلكية، أكثر مما يمكن أن تعزى إلى تصاعد اتجاه العولمة نفسه. ويمكن أن تعزى كذلك إلى تضاؤل حصة الدول الصناعية الكبرى في أوروبا وأميركا في مجال الصناعات والخدمات الحديثة، بسبب تعاظم القدرة الصناعية لدول شرق آسيا ونجاحها في دخول العولمة، والحصول على حصة متزايدة من حركة تجارة السلع والخدمات وتدفق الاستثمارات والتوظيفات التي لها طابع دولي.
وللعولمة تأثيرات مختلفة؛ البعض منها إيجابي، والبعض الآخر سلبي. وهي، لذلك، تتطلب أن تواجهها الحكومات العربية بوضع سياسات واضحة المعالم للاستفادة منها، عن طريق جلب الرساميل والتكنولوجيات الجديدة، من جهة، وتقليل الأضرار التي يمكن أن تحصل، من جهة أخرى، ولا سيما في مجال البيئة؛ للحؤول دون حصول المزيد من استغلال الموارد الطبيعية بشكل عشوائي. وكذلك في مجال القوى البشرية؛ للحؤول دون تعرض مستوى الأجور والرواتب للتدني تحت تأثير زيادة البطالة.
وفي هذا الإطار، قد يكون تطبيق مبادئ التنمية المستدامة هو السلاح الوقائي الأكثر فعالية، لأن الاهتمام بالرأسمال البشري وتطويره وزيادة قدرته على التكيف مع التطورات التكنولوجية العملاقة الجارية عالميا، هي من أهم عوامل الاستفادة من العولمة، بدلا من الخضوع لسلبياتها بشكل ساكن. لذلك، لابد من تعميم مبادئ التنمية المستدامة في الأقطار العربية، والنظر إليها على أنها ليست نقيضة مقتضيات العولمة التي أصبحت مهيمنة على النظام الاقتصادي الدولي، بل على أساس أن استيعاب مبادئها والعمل الدؤوب من أجل تطبيقها هو المدخل الصحيح إلى مواجهة مقتضيات العولمة والتكيف معها بالشكل الناجح لصالح الاقتصاد المحلي.
وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن قضايا التنمية المستدامة التي استعرضناها في هذه المقالة تتطلب وضع سياسات تكميلية بهدف تصحيح الفجوات والاختلالات التي ظهرت في المسار التنموي للدول العربية. ومن أهم هذه السياسات، إصلاح القطاع التربوي وربطة بالقطاعات الإنتاجية بشكل فعال، وتأمين مساهمة شركات ومؤسسات القطاع الخاص في التعليم المهني وفي تمويل الأبحاث العلمية والتقنية لتعبئة القدرات المتوافرة وتوجيهها نحو الانضمام إلى الدورة الاقتصادية مباشرة. وكذلك، إصلاح أوضاع الأجهزة الإدارية المركزية والمحلية، وتأمين استقرار العاملين فيها في حياتهم المادية بغية القضاء على عمليات الرشوة والفساد. كما تحقيق العدالة الضريبية بين الفئات الاجتماعية المختلفة، وتكييف نظام ضريبة الدخل المفروضة على الأفراد والشركات مع مقتضيات التنمية المحلية. إضافة إلى العمل على تطوير الإطار المؤسسي والقانوني والسلك القضائي، واضطلاع مؤسسات القطاع العام والخاص باتخاذ التدابير التي تكرس احترام البيئة وصيانتها.
yacoub@meuco.jo