جريدة الغد بتاريخ 16 أيار 2012
تعني الهجرة لغوياً الخروج من بلد إلى آخر تحقيقاً لأهداف معينة، أو طلباً للأمن والأمان والعدل، أو لتحسين الوضع المعيشي للفرد. وأول من ابتدع مفهوم هجرة الكفاءات أو الأدمغة هم البريطانيون، لوصف خسارتهم خلال السنوات الأخيرة من العلماء والأكاديميين وأصحاب الكفاءات المختلفة بسبب الهجرة من بريطانيا إلى الخارج، خاصة الولايات المتحدة الأميركية. أما منظمة اليونسكو، فقد اعتبرتها نوعا شاذا من أنواع التبادل العلمي بين الدول، يتسم بالتدفق باتجاه واحد.
وعلى مستوى الأردن، فقد ارتفعت حصيلة عدد هجرة الكفاءات الأكاديمية إلى الخارج باتجاه دول الخليج العربي في الأعوام 2009 و2010 و2011 أضعاف ما كانت عليه في الأعوام العشرة السابقة، وشكلت هواجس مقلقة عند الكثير من الجامعات الحكومية والخاصة. وقد تعددت أسباب هذه الهجرة بعامة، ومنها ضعف المردود المادي لأصحاب الكفاءات العلمية، وانخفاض المستوى المعاشي لهم، وعدم توفير الظروف المادية والاجتماعية التي تؤمن المستوى المناسب لهم للعيش في المجتمعات العربية. إضافة إلى وجود بعض القوانين والتشريعات والتعهدات والكفالات المالية التي تربك أصحاب الخبرات، فضلاً عن البيروقراطية والفساد الإداري وتضييق الحريات على العقول العلمية المبدعة، والتي تبدأ من دخولهم البوابات الحدودية لدولهم وصولاً إلى أصغر موظف استعلامات في الدوائر الرسمية، ما يولد لديهم ما يسمى بالشعور بالغبن. وقد يكون لعدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي أثره في شعور بعض أصحاب الخبرات بالغربة في أوطانهم، أو تضطرهم إلى الهجرة قسراً سعياً وراء ظروف أكثر حرية وأكثر استقراراً.
إن هذه المشكلة أصبحت ظاهرة على مستوى الوطن العربي بعامة، والأردن بخاصة، ومعالجتها تحتاج إلى وقفة جادة موضوعية، وأفق شمولي يتلمس تعقيدات الواقع العربي، ويستهدف الإحاطة بكل تناقضاتها، ومن ثم وضع الحلول الناجحة المتعلقة بهذه الظاهرة، كونها تعكس خطراً متواصل التأثير، وهو مرشح في ظل تأثيرات العولمة نحو التزايد.
وعلى أهمية تحديد الدوافع المختلفة لهذه الظاهرة، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية أو غيرها، إلا أن العوامل الاقتصادية كانت وما تزال تحتل الأولوية في التأثير المباشر على العقول والكفاءات الأردنية، ولاسيما أن الأشخاص الأكثر تأثراً بهذا العامل هم الأشخاص الأفضل إعداداً والأكثر كفاءة، ما يتطلب إيجاد سبل علمية لصيغ التعامل الإنساني والحضاري مع الكفاءات العلمية وبحرص وطني، فضلاً عن محاولة وضع استراتيجية عمل على مستوى كافة المؤسسات التعليمية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تستهدف على أقل تقدير، تقليل هجرة الكفاءات الأكاديمية والتغلّب على أسبابها، ومن ثم معالجة المشاكل التي تعترض مسيرتها العلمية، عبر إجراءات عملية عديدة، في مقدمتها إجراء مسح شامل لأعداد الكفاءات الأكاديمية المهاجرة بهدف التعرف على حجمها ومواقعها وميادين اختصاصاتها وارتباطاتها وظروف عملها. وأيضا، وضع البرامج الوطنية لمواجهة هجرة الكفاءات الأكاديمية، وإنشاء مراكز للبحوث التنموية والعلمية، والتعاون مع الهيئات الدولية والإقليمية المعينة لإصدار الوثائق والأنظمة التي تنظم أوضاع المهاجرين من العلماء أصحاب الكفاءات.
yacoub@meuco.jo