جريدة الغد بتاريخ 9 أيار 2012
بدأت فكرة التخطيط الاستراتيجي في منظمات الأعمال مطلع العقد السادس من القرن العشرين، في الولايات المتحدة الأميركية، ثم انتشرت بعد ذلك في أوروبا ودول العالم الأخرى. وفي التسعينيات من ذات القرن، دخلت هذه الفكرة إلى الجامعات.
التخطيط الاستراتيجي عملية نظامية، تهدف إلى دعم القادة ليكونوا على وعي بأهدافهم ووسائلهم. وبذلك، فهو أداة إداريّة تساعد المؤسسة في أداء عملية أفضل، وتركيز نظريّتها وأولوياتها في الاستجابة للتغيرات الحادثة في البيئة من حولها؛ وهو أداة لضمان أن يعمل أفراد باتجاه تحقيق الأهداف نفسها. ومن ثم، يمكن تعريف التخطيط الاستراتيجي بأنه عملية تحديد مستقبل المنظمة، بناءً على نتائج التفكير الإستراتيجي.
وانطلاقاً من هذا التعريف، فالتخطيط الاستراتيجي ليس وليد الحضارة الحديثة كما يدعي بعضهم. فالتخطيط من أبرز معالم الحضارة الاسلامية، وتجلى ذلك في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما أرشدت إليه آيات القرآن الكريم، فقال الله سبحانه وتعالى: “وأعِدُّوا لَهُمْ ما استطعتم من قُوة ومِنٍْ ِربَاط الخيلٍْ” (الأنفال، الآية 65). وفي هذه الآية دعوة للقيادة الحكيمة بالعمل والتخطيط والاستعداد لمواجهة أمر مستقبلي. ومن الآيات التي أبرزت أهمية التخطيط المستقبلي، قوله سبحانه وتعالى: “لِكُلٍّ جَعَلْناَ مِنْكُمْ شِْرعَةً ومِنْهَاجاً” (المائدة، الآية 48)، أي سبيلاً وسُنّة وطريقاً واضحة سهلة لبلوغ الغايات.
وبنظرة فاحصة لمفهوم التخطيط الإستراتيجي وأبعاده وغاياته، نلمس هذا واضحاً في أحاديث سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، إذ قال: “.. والذي نفسي بيده لا يسألوني خُطة يُعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها.. فإن هذا قد عرض لكم خُطة رشد، اقبلوها ودعوني آتيه..” (رواه البخاري). وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: “ولئن تدع أبناءك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس” ( رواه مسلم). ولنا في حادثة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم مثال واضح في التخطيط الاستراتيجي. ومن خلال تحليل سيرته وإرشاداته لأصحابه، نجد أن الرسول الكريم يركز على التخطيط وضمان نجاحه وإتقانه، وتجلى ذلك في خطته الاستراتيجية التي وضعها لفتح مكة.
لذا يمكن القول؛ إن التخطيط الاستراتيجي قبل أن يُعرف في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا قد عُرف في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه مشروع في الإسلام، بل وتباركه شريعتنا السمحة وتحث على تطويره باستمرار.
yacoub@meuco.jo