جريدة الغد بتاريخ 25 نيسان 2012
تسليع التعليم هو أحد مظاهر السلطوية التي تعمل على تحويل التعليم من رسالة سامية إلى سلعة تجارية؛ وهذا يحول التعليم إلى بضاعة استهلاكية تباع وتشترى، وتخضع لقانون العرض والطلب. وفي هذه الحالة، يصبح الهدف الأسمى للتعليم هو تحقيق الربح المادي، ويتم التسويق والترويج له بشتى الطرق والأساليب. إن هذه ظاهرة أصبحت منتشرة وبشكل مُعلن في معظم الدول العربية، وعلى المستويين المدرسي والجامعي.
لذا، فإن تسليع التعليم غالباً ما يوفر بيئة ملائمة لتحقيق المطامع الشخصية، وطغيان المنافع الذاتية على المصالح الجماعية، والسعي إلى الثراء السريع بغض النظر عن مشروعيته وقانونية الوسائل، وسيطرة الأنانية على بعض العاملين في مجال التعليم على المستويين المدرسي والجامعي. وغلبة النظرة الربحية لدى هؤلاء جعل من الخدمة التعليمية سلعة لا يحصل عليها إلا من يقدر على دفع ثمنها. وبذلك، ساد النظام السلعي بين المعلم والمتعلّم، وحل الجشع محل العلاقة التربوية الأبويّة الأسمى؛ فلا يُقدم أي طرف خدمة إلى الطرف الآخر إلا مقابل ثمن نقدي، ويتمثّل ذلك في الدروس الخصوصية بأشكالها المختلفة (المدرسيّة والجامعيّة)، والتي يقدمها بعض المعلمين أو أعضاء هيئة التدريس في المنازل أو في المراكز الثقافية أو الخدمية. وهذا يظهر جلياً في تحويل بعض المدارس والجامعات مناهجها الدراسية إلى مجرد ملخّصات، يتأبطها الطلبة ويروّج لها مؤلفوها بهدف الربح السريع. وبذلك، أصبح الكتاب الجامعي أوالمدرسي أحياناً أداة للاسترزاق، ووسيلة لحل المشكلات المادية لبعض المدرسين. كما أن المتاجرة بالملخّصات الجامعية والمدرسية جعلت بعض المدرسين يظهرون أمام طلبتهم كأنهم أصحاب مكتبات لبيع الكتب والملخّصات، ما شوّه صورتهم وأضعف مركزهم أمام الطلبة.
كما أصبح ينظر إلى البحث العلمي على أنه سلعة، تعد أحياناً على عجل، سعياً وراء الكسب السريع، والمنفعة الفردية. ولتحقيق ذلك، أنشئت مراكز متخصّصة تُعلن يومياً عن استعدادها لإعداد جميع المتطلّبات الجامعيّة لطلبة الدراسات العليا وطلبة البكالوريوس، ويلجأ البعض من الطلبة إلى هذه المراكز لتلبية احتياجاتهم من أطروحات الدكتوراه أو رسائل الماجستير، أو أوراق العمل، أو المشاريع بأشكالها المختلفة، ويشتريها الطلبة بعد إعدادها حسب رغباتهم وأهدافهم بأثمان مرتفعة جداً، دون معرفة ما كُتب فيها. هذا من جانب، ومن جانب آخر، ينظر بعضهم إلى البحث العلمي على أنه سلعة تؤدي بهم إلى الحصول على درجة علمية أو ترقية، أو منصب إداري أو أكاديمي، بغض النظر عن مستوى ذلك البحث ومدى ارتباطه بواقع الممارسات التعليمية. وهذا بدوره يزيد من حمى التسارع في إعداد الأبحاث على حساب جودتها ودرجة إتقانها، ومن جانب آخر أصبح بعض أساتذة الجامعات يقومون بهذه المهمّة مقابل مردود مادّي، كما أصبحت الامتحانات على المستويين المدرسي والجامعي سلعة تخضع للعرض والطلب والمساومة.
من هنا، لابد من مقاومة تسليع التعليم والبحث العلمي بشتّى الطُرق. وأهمّ أركان هذه المقاومة إعادة النظر في الأنظمة التربوية العربية بعامة، وفي النظام التربوي الأردني بخاصة، وكذلك في قانونيّة المراكز التي تقوم بتسليع البحوث العلميّة بأشكالها المختلفة.
yacoub@meuco.jo