جريدة الغد بتاريخ 18 نيسان 2012
تُعد الثقافة ظاهرة اجتماعيّة مكتسبة، قابلة للانتشار والانتقال من جيل إلى آخر؛ وهي الإطار الاجتماعي الذي يعيشه الفرد، وينمو ويتطوّر من خلاله. أما الأمن الثقافي، فيمثّل أهم الدعائم التي يقوم عليها المجتمع من عادات وتقاليد وقيم.. وغيرها؛ وهو وسيلة لتحديد السلوك أو أداة لمسايرة أساليب الحياة بهدف مسايرة التغيرات والمستجدات العالميّة، وفي الوقت نفسه حماية الذاتيّة الثقافيّة لأفراد المجتمع الواحد، وما تضمنه من قيم مادية ومعنويّة، توجّه الإنسان وتقدّم له معايير السلوك.
وفي هذا المجال، يُقصد بالأمن الثقافي الحفاظ على الذاتيّة الثقافيّة وحمايتها وتأمينها من التيارات الفكريّة المعاصرة التي تستهدف الشباب في دينه وقيمه ولغته ومعتقداته وحضارته، حتى يتمكّن من مقاومتها والتصدّي لها بإيجابيّة وفاعلية في ظل تحديات عالمية معاصرة. وهذا يشكّل في مجموعه قاعدة أساسيّة لتحمّل المسؤوليّة والمشاركة في تحقيق الأمن الثقافي والتقدّم والتنمية للمجتمع.
يتعرّض الأمن الثقافي العربي لكثير من التأثيرات الثقافيّة العالميّة الوافدة من خلال العولمة، بسبب التقدّم التكنولوجي في وسائل الاتصال والإعلام في القرن الذي نعيشه. وقد نجحت العولمة في فرض قيمها وأساليبها وطرق تفكيرها على ثقافة المجتمع العربي، مما عرّض الهويّة الثقافيّة للتغيير الجذري العميق، وأصبح تهديداً قوياً للدين واللغة والقيم والعادات والتقاليد والتراث والعلاقات الاجتماعية وطرائق التفكير.. وغيرها، وهدّد ويُهدّد بالتالي الهويّة الثقافية للمجتمع، وأضعف شعور الفرد بالانتماء والولاء لوطنه. فكل ذلك يزيد من أهميّة الحاجة إلى تحقيق الأمن الثقافي لدى الشباب في ظل التحوّلات السريعة والمتلاحقة في مختلف مجالات الحياة، وهذا ما أطلق عليه الغزو الثقافي أو التبعيّة الثقافيّة.
لذا، فإن الأمن الثقافي من خلال المحافظة على الهوية الثقافية وتنميتها وتطويرها مع المحافظة على أصولها، يُعد ضرورة تربويّة، خاصّة في عصر العولمة الذي أدى إلى تأثيرات ثقافية وتربوية أدت إلى اهتزاز العديد من المراكز التربويّة. وهذا يفرض على التربية العربية مراجعة فلسفتها ونُظمها ومناهجها وتقنياتها للتعامل مع ضغوط العولمة الثقافية على الحقل التربوي. فالهدف النهائي للعولمة الثقافية ليس خلق ثقافة عالمية واحدة، بل خلق عالم بلا حدود ثقافية؛ فهي تتضمّن بلوغ البشر مرحلة من الحريّة الكاملة لانتقال الأفكار والمفاهيم والقيم والمعلومات على الصعيد العالمي، وبأقل قدر من القيود والعراقيل والضوابط، مما قد يؤثر على التربية ونظمها وعلى الهويّة الثقافية في الألفية الثالثة.
وتأسيساً على ما سبق، فإن الأمن الثقافي يُعد ضرورة تربوية تفرضها العولمة الثقافية، الأمر الذي يتطلّب إعادة النظر في أداء المنظومة التربوية في العالم العربي، بحيث تصبح قادرة على تعميق الهوية الثقافية في نفوس الشباب، وتحصنهم بالقيم والمهارات والأفكار التي تساعد على أن يكون لهم دور فاعل في تغيير مجتمعاتهم وتطويرها، وألا يكونوا مجرّد مقلّدين تابعين للغير، يعيشون على زاده الثقافي دون إبداع أو ابتكار متناسين ثقافتهم. وهذا لا يعني الانغلاق وعدم الانفتاح على العالم، بل علينا التفاعل معه ومع مستجدات العصر، وعلينا أن نأخذ منه ما يتماشى وقيمنا وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا، بل ومن خلال ذلك علينا أن نكون أداة تغيير في قيم الآخرين وأخلاقهم، والتأثير فيهم من جميع الجوانب.
yacoub@meuco.jo