جريدة الغد بتاريخ 11 نيسان 2012
يُعد البحث العلمي والعطاء المعرفي من أبرز ما يميز الجامعات، ويدفعها إلى التقدم على الجامعات الأخرى. إذ يؤدي ذلك إلى اجتذاب الطلبة المتميزين، وتشجيع وتوليد المعارف الجديدة، ما يساعد الجامعة على امتلاك مقومات الإبداع والابتكار. وبذلك، تصبح الجامعة مركزاً للإشعاع الحضاري والفكري والتنوير الثقافي والعلمي في مجتمعها. ومن هنا يأتي دورها في التنمية الشاملة، وتأثيرها في التنافسية العالمية، بتجاوز حدود حرمها الجامعي، ما يمكنها من ممارسة أدوار كبرى في مجتمعها وبناء حضارته ونهضته. ولا يمكن لأي جامعة القيام بهذه الأدوار دون الانفتاح والتعامل مع المجتمع في العملية التعليمية والإنتاجية والخدماتية التي تقدمها للمجتمع. وحتى نساعد الجامعة على القيام بتلك الأدوار مجتمعة، لا بد من أن تتحول الجامعة من جامعة مدعومة حكومياً أو من الشركة المالكة لها، إلى جامعة منتجة قادرة على توفير موارد مالية إضافية لدعم أنشطتها المختلفة في مجالات البحث والإنتاج العلميين.
وحتى تتحوّل الجامعات إلى جامعات منتجة، لا بد من أن تكون لها أنشطتها في هذا المجال؛ مثل إنشاء كراسٍ للبحث العلمي، وتأسيس مشاريع وقفية للجامعة، وإقامة مشاريع متعددة المجالات بالتعاون مع القطاع الخاص لدعم الأبحاث والابتكارات العلميّة وتحويلها إلى منتجات استثمارية، وتبني مشاريع اقتصادية تعود بالنفع على المجتمع، وتفيد في عمل شراكات مع المصانع والشركات المختلفة. وبذلك تتعدّد منتجاتها بما يتوافر لها وتملكه من مقومات مادية ومعنويّة وخبرات وطاقات وإمكانات بشرية متنوعة الاختصاصات والمجالات، وبما يؤثر في بناء ثقافة المجتمع وتوجيه فكرة تحقيق نهضته وتنميته.
ولما كان التعليم الأكاديمي هو أحد منتجات الجامعة، فإن البحث العلمي يُعد من المنتجات الأهم من خلال دوره في تقييم الدول، إذ يُقاس مدى تقدمها وقدرتها الاقتصادية وتفوقها الصناعي والاقتصادي بما تخصصه من أموال لدعم البحث العلمي، وبما تبذله من جهود في استثمار طاقاتها البشريّة والماديّة. وفي الوقت نفسه، على الجامعة تفعيل الشراكة مع مؤسسات المجتمع المحلي، والتحول إلى جامعة منتجة. وهذا يتطلّب إعادة النظر في عملية إعداد الطالب وتكوينه، بحيث تتكامل عملية الإعداد الشامل والمتخصص، وذلك بتقديم معارف وتطبيقات ترتبط بمجموعة من التخصصات، وبالتخصص الدقيق الذي يختاره الطالب، إضافة إلى التقليل من الفروق بين وظائف الجامعة، والنظر إليها كمنظومة متكاملة تؤثر وتتأثر ببعضها حتى يمكن الانفتاح على المجتمع من خلال قنوات شرعية للوقوف على مشاكله وقضاياه، سواءً المرتبطة بالعمليات الإنتاجية أو بالعمليات الخدمية. وعليها فتح باب القبول لنوعيات متميزة من الطلبة، وذلك لتلقي دورات تدريبية أو تعليمية، وفقاً للاتفاقيات أو الشركات المبرمة مع مؤسسات المجتمع المختلفة، وهذا يتطلب وجود مرونة وحرية في تعليمات الجامعة لكي تتواءم مع ما يطرأ على المجتمع من تغيرات تستدعي التدخل من قِبل الجامعة المنتجة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: متى ستتبنى جامعاتنا فلسفة الجامعة المنتجة لفتح أبوابها للمجتمع الذي توجد فيه، حتى لا توصف تلك الجامعات بأنها مؤسسات تدريسيّة فقط، وإنما تصبح مختبراتها ومشاغلها وجميع إمكاناتها وثرواتها البشرية، من أعضاء هيئة تدريس وطلبة وعلماء، عنصراً أساسياً من عناصر تنمية المجتمع وخدمته؟
yacoub@meuco.jo