جريدة الدستور بتاريخ 19 آذار 2012
يعد البحث العلمي من أبرز ما يميز الجامعات ويجعلها تتقدم على الجامعات الأخرى، وبخاصة في مجال اجتذاب الطلبة المتميزين والحصول على دعم خارجي وداخلي بهدف المشاركة في المشاريع الإنتاجية المختلفة، وإجراء الأبحاث الموجهة لخدمة الشركات الصناعية والمجتمعية، وللبحث العلمي محاور رئيسة ثلاثة: الأول يهتم بالاستجابة للقضايا المعرفية الطارئة، وتقديم المشورة بشأنها، والثاني يرتبط بالمعارف والنظريات الأساسية، أما المحور الثالث فيتعلق بالمعارف التطبيقية. لذا يسهم البحث العلمي في المعارف الأساسية في التراكم المعرفي الانساني، ويؤسس للبحوث التطبيقية المستقبلية، وبذلك فللبحث العلمي بُعد دولي إنساني من جهة، وبُعد تخطيطي استشرافي، من جهة أخرى.
أما البحث التطبيقي فيقدم معارف جديدة يمكن توظيفها والاستفادة منها، وقد تستنبط منه خدمة جديدة أو متجددة، من خلال توليد المعرفة عبر البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية، إذ تستطيع الجامعات الاستجابة بذلك لمتطلبات المؤسسات المعرفية الصناعية والخدمية، وأن تقدم لها المشورة التي تحتاجها وتحل مشاكلها وتزيد من عطائها.
وتأسيساً على ما سبق، وفي المناخ المعرفي التنافسي الذي يشهده العالم، تتجه الجامعات بصورة غير مسبوقة لتعزيز دورها في البحث العلمي والعطاء المعرفي من خلال التحول إلى جامعات بحثية، وهذا لا يشمل الجامعات التي تسعى للارتقاء بسمعتها، بل يتضمن أهم الجامعات العالمية ومن هنا «أنشئت رابطةُ الجامعات الأوروبية البحثية» تجمعاً تعاونياً فعال بين مؤسسات معروفة بالتزامها بتقديم بحوث قادرة على المنافسة على مستوى العالم، مقرونة بجودة تعليمية عالية، وبذلك فإن غاية هذه الرابطة وضع الجامعات الاوروبية في مقدمة جامعات العالم بحثياً فعالاً وتعليمياً».
وتورد «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» تعريفاً للجامعات البحثية يشمل ست سمات للجامعة البحثية: قيامها ببحوث أساسية وبحوث تطبيقية، وأن يكون التدريس فيها مبنياً على البحث العلمي، وأن تتمتع بنظام أكاديمي متكامل، وتكون لديها نسبة مرتفعة من برامج الدراسات العليا ذات الطابع البحثي، الذي يعود بنسبة مرتفعة من دخلها على الجامعة وأخيراً أن تتمتع ببعد دولي.
وأخيراً، فإن البحث العلمي يُعد من أرقى النشاطات التي يمارسها العقل البشري على الإطلاق، وهو نوع من النشاط من أجل صناعة الحياة وتحقيق التطور والنمو، وهذا الجهد المنظم لا يمكن أن يجري في فراغ، إذ ينبغي توفير الحرية والدعم والأموال وبناء المنشآت والخبرات والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية، وخلق الحوافز المادية والمعنوية، التي تجعل من الانتاج الفكري عملاً يستحق المعاناة والجهد المتواصل، إذ بالانتاج الفكري نكون أو لا نكون، ويحق لنا التساؤل أين جامعاتنا من صفات الجامعات البحثية؟ إن التنافس المعرفي الذي يشهده العالم، واستجابة الجامعات في البلدان المختلفة لهذا التنافس ودخولها، بجسارة وتصميم غير مسبوق حلبة البحث العلمي والعطاء المعرفي، يدعونا نحن أيضاً إلى الاستجابة. فنحن نريد تطوير البحث العلمي في جامعتنا، بل نسعى إلى أن يكون لنا جامعات وطنية بحثية حقيقية، قادرة على المنافسة على مستوى العالم، نريد تجمعات جامعية بحثية على جميع المستويات: على المستوى المحلي. وعلى المستويين الإقليمي والدولي من أجل أن تكون لنا مكانة معرفية في هذا العالم، ومن أجل تحقيق التنمية وتعزيز استدامتها.
yacoub@meuco.jo