جريدة الدستور بتاريخ 6 شباط 2012
يُعد التخطيط الاستراتيجي المخرج الرئيس من تعقيدات العصر الحالي استعداداً لولوج عصر الحكمة، فهو يهتم بتحديد مستقبل الجامعة، والغايات التي تسعى لتحقيقها، ويرتبط بشكل مباشر مع مفهوم الاستراتيجية، وهو الأسلوب الذي تختاره قيادة الجامعة للاستفادة من الموارد المتاحة لتحقيق أفضل النتائج. وهو يُعبّر عن الفهم الواقعي لما يدور في البيئتين الداخلية والخارجية للجامعة من حيث نقاط القوة ونقاط الضعف، والفرص والمخاطر التي تنطوي عليها. مما يُمكّننا من استشراف المستقبل والإعداد له بصياغة مجموعة من البدائل الاستراتيجية التي تقود الجامعة لبلوغ غاياتها، وتوفير أفضل الشروط والظروف التي تسهم في تحقيقها.
ولكي تتمكّن الجامعات من التعامل مع عصر المعلومات ومع مفرداته، واستيعاب تقنياته التي فرضت نفسها على مختلف قطاعات الحياة المعاصرة استعداداً للولوج إلى عصر الحكمة والتفاعل معه، فإن عليها البدء في عملية تغيير وتطوير شاملة وجذريّة تتعدّى الشكل والمضمون، بحيث تُحقّق الصورة المتناسبة مع متطلبات عصر الحكمة، وتتطلّب هذه العمليّة من مجالس أمنائها رسم سياسات خاصة بكل جامعة بحسب رؤيتها ورسالتها وغاياتها بدقّة ووضوح، من خلال تبنّي مقولة أن التخطيط الاستراتيجي معني بالمستقبل واستشرافه، وأنه وسيلة للتفكير والتصرّف من أجل إحداث تغيير معين، وأنه عملية مستمرة تستثمر فيها تراكم الخبرات، واستشراف المستقبل بكل متغيراته ومستجداته، استجابة للظروف الخارجية والداخليّة المتجددة. وهو بذلك يتطلّب مجهوداً فكرياً مُبدعاً، ونظرة ثاقبة، وكثيراً من الانضباط والالتزام، كما أن الرغبة والمهارة الإبداعيّة مطلوبة لاختيار المسارات الزمنيّة للأداء، بدلاً من الانتظار حتى وقوع الأحداث والأزمات التي قد تدفعنا إلى اتخاذ ردود فعل بطريقة عقيمة. وبعامة فإن عدم استشراف المستقبل وانتظاره قد يكون سبباً في تخلفنا وتأخّرنا عن الآخرين، وهذا قد يُحملنا نتائج سلبية كبيرة على جميع مناحي الحياة.
إن صياغة الاستراتيجية تتم في ضوء تحديد رؤية الجامعة ورسالتها مع مراعاة متغيرات البيئتين الداخلية والخارجية. ويتطلب ذلك رسم السياسات العامة للجامعة التي تقع على مسؤولية مجالس أمناء الجامعات التي تُعد بمثابة خطّة طريق لقيادة الجامعة. فالسياسة العامة للجامعة هي مجموعة من المبادئ والقواعد التي تحكم سير العمل في الجامعة والمحددة سلفاً بمعرفة مجلس أمناء الجامعة والتي تسترشد بها قيادات الجامعة والعاملون فيها في المستويات المختلفة عند اتخاذهم القرارات المتعلّقة ببلوغ الغايات. وتصنف السياسات في ثلاثة مستويات تتمثل في الجامعة ووظائفها، وعملياتها، أي قد تكون السياسات على ثلاثة أنواع، الأول: يمثل السياسات على مستوى الجامعة (داخلياً وخارجياً) وهي التي تعكس رؤية الجامعة ورسالتها وأهدافها، وقيمها الجوهريّة، كما أنها تستخدم مرشداً لتقييم استراتيجية الجامعة. أما الثاني: فيشمل السياسات الوظيفية التي تتعلق بالنشاطات والأعمال داخل عمادات الجامعة ودوائرها ومراكزها، وتتصف بأنها على درجة عالية من التفعيل والتحديد. في حين يمثّل النوع الثالث: السياسات التشغيلية التي تهتم بالقرارات التي تتعلّق بالعمليات اليومية والمستقبليّة للجامعة.
وفي ضوء ما سبق فإن مجالس أمناء الجامعات يقع على عاتقهم رسم سياسات جامعاتهم آخذين بعين الاعتبار أننا على أبواب عصر الحكمة الذي يحتاج منا إلى إعادة النظر في كل ما نمارسه من سياسات، وأن ندخل هذا العصر بقوة مستعدين له من جميع الجوانب العلمية والثقافية والبحثية والتكنولوجية.
yacoub@meuco.jo