جريدة الدستور بتاريخ 1 شباط 2012
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق، وأن الرفق لو كان خُلقاً لما رأى الناس خَلقاً أحسن منه، وإن العنف لو كان خُلقاً لما رأى الناس أقبح منه» صدق رسول الله. ومن أقوال جلالة الملك عبد الله الثاني المعظّم «إن الشغب بغياب العدالة يمكن أن يشكل بيئة خصبة للعنف والإرهاب».
إذا أمعنا النظر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أقوال قائدنا المفدى نجد ما سبق دعوة صريحة إلى البُعد عن العنف والشغب، وفي حال وجودهما لابد أن نطبّق القوانين على من يقومون بذلك، وفي جميع الحالات لا بد من أن تقوم قيادة الجامعات بإجراءات علاجيّة وأخرى وقائيّة للحد من ظواهر الشغب والعنف التي شهدناها في الجامعات في الفصل الدراسي الأول من العام الجامعي 2011/2012، وبخاصة شهر كانون أول 2011. إذ أن ما حدث يُعد ممارسات لاتظهر من فراغ، وإنما من دوافع داخلية أو خارجية، فهي محكومة بمدخلات وإجراءات معينة تتعدد أسبابها ومسبباتها، وطرق علاجها والوقاية منها، ولكني في هذا المجال أقول أن المسؤولية الكبيرة تقع على قيادات الجامعات، وعلى صرامتها في تطبيق الأنظمة والتعليمات الخاصة بتأديب الطلبة المخالفين، وفي وضع مجموعة من الإجراءات الوقائية، وإنني أقترح على قيادات الجامعات تطبيق الحاكميّة في جامعاتهم، ففيها وفي مبادئها إجراء وقائي لمثل تلك الأعمال. إذ إن الحاكمية ليست مجرد إدارة شاملة للجامعة بل هي أوسع نطاقاً وأعم مفهوماً، فهي منظومة متكاملة تتمثّل في مجموعة القوانين والأنظمة والتعليمات التي تهدف إلى تحقيق جودة وتميز العمليات والمخرجات، والإدارتين الأكاديمية والإداريّة، وذلك من خلال اختيار الاستراتيجيات المناسبة لتحقيق غايات الجامعة، وهي أيضاً مجموعة متكاملة من العناصر البشريّة والماديّة المتكاملة والمتفاعلة التي تخلق الانسجام والتوازن داخل الجامعة، إذ يسبب فقدانها خللاً كبيراً في عمليات الجامعة، ومن ثم في مخرجاتها، وبعامة تقوم الحاكمية على ثلاثة مبادئ:
– الشفافية، وتعني تصميم وتطبيق النظم والآليات والسياسات والتشريعات، وتُعد من المعايير العالمية المهمّة في تصنيف وترتيب الأول وحتى الجامعات، إذ أنها آلية قياس درجة تطبيع الحاكمية في المجتمع، وهي تجيز للأفراد الحصول على المعرفة والمعلومات المتعلقة بالحاكمية بحيث تمكّنهم من اتخاذ القرارات ذات التأثير المشترك. وتعني الشفافية الوضوح لما يجري ويدور داخل الجامعة، مع سهولة تدفق المعلومات الدقيقة والموضوعية وسهولة استخدامها وتطبيقها فعلاً من قِبل العاملين في الجامعة. إن هذا الوضوح يعني أن طلبة الجامعات يستطيعون وبكل سهولة الإفصاح لقيادة الجامعة عما يدور بخلدهم وعن مشكلاتهم واحتياجاتهم، مما يخلق حواراً منتجاً ما بين قيادات الجامعة والطلبة. كما أن هذه اللقاءات المفتوحة تشكل تحدياً لتفكير الطلبة وتحفّزهم على المشاركة وتسهم في تغطية قيم الحوار والتواصل البنّاء ما بين قيادات الجامعة وطلبتها.
– المشاركة، وهي إتاحة الفرص لمجالس الحاكميّة وللهيئتين الأكاديمية والإداريّة والطلبة والمجتمع، المشاركة في رسم السياسات، ووضع قواعد العمل في مختلف مجالات الحياة الجامعيّة، وهل يتيح لطلبة الجامعة أن يكون لهم دور في عملية صنع القرار، وبذلك فإن الحاكمية الجيدة لابد أن تحتوي على كل مضامين المشاركة لمساندة قيادة الجامعة ومجالس الحاكميّة فيها كنموذج في تطبيق سياسات الجامعة.
– المساءلة، وتعني تمكين ذوي العلاقة من الأفراد داخل الجامعة وخارجها من مراقبة العمل دون أن يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل أو الإساءة إلى الآخرين، إضافة إلى تطبيق الأنظمة والتعليمات بكل شفافية على جميع العاملين في الجامعة وعلى طلبتها، وتُعد المساءلة الوجه الآخر للقيادة، ودونها تكون القيادة دكتاتورية، وهي التزام يُلزم الآخرين بالمحاسبة أو الإجابة عن المسؤولية التي تسند لهم.
وفي اعتقادي أننا لو طبّقنا الحاكميّة ومبادئها في الجامعات، فإننا سنكون قد قُمنا بوضع خطّة وقائية لأعمال الشغب والفوضى في الجامعات، وقد سبق أن تطرّقت في مقالة سابقة إلى مراحل تطبيق الحاكميّة في الجامعات.
yacoub@meuco.jo