جريدة الدستور بتاريخ 16 كانون الثاني 2012
تُشكّل الشركات العائليّة ركناً أساسياً في الاقتصاد العالمي، وعلى الرغم من وجهات النظر الشائعة التي تربطها بسمات الخلل والمشكلات الهيكليّة، تبقى الشركات العائليّة نموذجاً صلباً يُسهم في دفع عجلة الاقتصاد العالمي بالإجمال، وتُعد علاقاتها الوطيدة بالمجتمع وتوجيهاتها البعيدة المدى، إضافة إلى المرونة في اتخاذ القرارات خصائص مفصليّة جعلت منها جزءاً محورياً في الاقتصاد الوطني والإقليمي والعالمي.
إن النجاح الذي تحقّقه الشركات العائليّة مرده إلى تطبيق تلك الشركات لإدارة الحكمة في جميع عملياتها، وقدرة تلك الإدارة على الفصل بين العمل والعائلة، إذ تتم إدارة الشركة بوصفها مؤسسة أعمال، وتتم إدارة شؤون العائلة بوصفها أسرة، ويُشكّل الاهتمام بأفراد العائلة وتقدير مشاعرهم ورغباتهم في العمل دوراً كبيراً في الحد من التوتّر الذي عادة ما يُدمّر الشركات العائليّة خلال مرحلة النقل للأجيال المقبلة. إن نجاح الشركات العائليّة يكمن في التخطيط السليم لعمليّة انتقال العمل من جيل إلى آخر، ومن أكثر الأمثلة نجاحاً فريق مانشستر سيتي، وشركة جوجل، وشركة مايكروسوفت، والسر في نجاحها اعتمادها الكفاءات والمواهب وإن من خارج العائلة.
إنّ النجاح الذي حقّقته العديد من الشركات العائليّة دفع الحكومات إلى الثقة في تلك الشركات، ومنحتها تلك منحها فرصة لإدارة أملاكها، فأصبحت الشركات العائليّة نموذجاً للشركات التي تنظر إلى المستقبل كونها تأخذ الملحوظات والمقترحات التي تصل إليها فتطوّر نفسها، وتعتمد الأبحاث والدراسات العلميّة التطبيقيّة، وتنتقل من الأنشطة غير المربحة إلى الأنشطة ذات الربحية العالية، وتسعى إلى التغيير والتطوير المستمرين.
ويكمن سر نجاح العديد من الشركات العائليّة في أنّ إدارة الحكمة للشركة تُدخل ضمن مجالسها عناصر مستقلة، وتفصل بين مهمات رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي، وبين الأسرة والشركة، وتختارالكفاءات سواء من العائلة أو من خارجها. وبذلك فإن دخول عناصر مستقلة يحقق الفصل بين الجوانب العلميّة والجوانب العاطفيّة، ويُسهم في فتح آفاق عمل جديدة وطروحات مختلفة وبالتالي مشروعات إضافيّة. كما أنّ وجود مجلس إشرافي للشركة من أبناء العائلة ومجلس تنفيذي يضم عناصر مستقلة، يُعزّز من نمو الشركة ويحقق المواءمة بين مصالح العائلة ومصالح الشركة.
إن إدارة الحكمة في الشركات العائلية تضبط عمل الفروع والإدارات بناءً على نظام موحّد يُسيِّر عمل الشركة وفروعها، وهذا يستدعي تدريب الجيل الثاني وربما الثالث على إدارة الحكمة من خلال مراقبة العمل والانخراط فيه؛ ليكون مطّلعاً على سير العمل وأدائه، فضلاً على تصميم رؤية واضحة للشركة تُعبّر عن خط سيرها وتنتقل إلى الأجيال المتعاقبة لتكون خريطة طريق لهم. وللحد من المخاطر التي قد تواجهها الشركات العائليّة، فإنّ على إدارتها الحكيمة فصل الملكية عن الإدارة وتحديد الصلاحيات، وإدخال عناصر جديدة من خارج العائلة، وأن يكون الإفصاح والشفافيّة، والمساءلة، والمشاركة من أهم مبادئها.
yacoub@meuco.jo