جريدة الدستور بتاريخ 3 كانون الثاني 2012
ظهر مفهوم حاكميّة الجامعات ليُعبّر عن الأزمة الحقيقيّة التي تمر بها بعض الجامعات، والحلول المقترحة لها، إذ نصبت بعضها نفسها فوق الطلبة والهيئتين التدريسيّة والإداريّة، لتكون مهمّتها اتخاذ القرارات المتعلّقة بشؤون هؤلاء، دون أن يكون لأي منهم الحق في مناقشة تلك القرارات أو الاعتراض عليها، مما أدى إلى عزوف الطلبة عن المشاركة في الحياة العامّة سواءً أكان ذلك داخل الجامعة أم خارجها. مما أثر على تطوّر الجامعة بوصفها المؤسسة الأكاديميّة التي يفترض فيها أن تُعيد صياغة توجّهات المجتمع بأشكاله كافّة.
وتُعد حاكميّة الجامعات منظومة متكاملة تتمثّل في مجموعة القوانين والأنظمة والتعليمات التي تهدف إلى تحقيق جودة وتميز العمليات والمخرجات، والإدارتين الأكاديمية والإدارية، وذلك من خلال اختيار الاستراتيجات المناسبة والفعالّة لتحقيق غايات الجامعة.
لذا، يمكن القول بأن حاكميّة الجامعات هي منظومة متكاملة مكوّنة من مجموعة من العناصر البشريّة والماديّة المتكاملة والمتفاعلة التي تخلق الانسجام والتوازن داخل الجامعة، إذ يُسبّب فقدانها خللاً كبيراً في عمليّات الجامعة، ومن ثم مخرجاتها. وتُعد الشفافيّة من قواعد الحاكميّة: وتعني تصميم وتطبيق النُظم والآليات والسياسات والتشريعات. أما المساءلة فهي القاعدة الثانية: وتعني تمكين ذوي العلاقة من الأفراد داخل الجامعة وخارجها من مراقبة العمل دون أن يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل أو الإساءة إلى الآخرين، في حين تُعد المشاركة القاعدة الثالثة من قواعد الحاكميّة: وتعني إتاحة الفرصة لمجالس الحاكميّة وللهيئتين الأكاديميّة والإداريّة والطلبة والمجتمع المشاركة في صنع السياسات، ووضع قواعد العمل في مختلف مجالات الجامعة.
وقد أكّدت العديد من الدراسات التي بحثت في حاكميّة الجامعات أن هناك مجموعة معايير تعكس وتوضّح القيم التي تسود وتؤثّر في حاكميّة الجامعات هي:
– وجود قوانين وأنظمة وتعليمات توضّح أفضل أساليب ممارسة سلطة مجالس الحاكميّة في الجامعة (مجلس الأمناء، مجلس الجامعة، مجلس العمداء، مجالس الكليات، مجالس الأقسام) وقيادتها الإدارية.
– مدى المشاركة النسبيّة للموظّفين والمجتمع المحلّي من غير أعضاء مجالس الحاكميّة والمديرين في صنع القرارات، وفي توجيه مسار العمل في الجامعة.
– مدى تحمّل مجالس الحاكميّة والموظّفين في الجامعة لأدوارهم.
– مدى وجود لجان رئيسة تابعة لمجالس الحاكميّة تتناول الأعمال التي تحتاج إلى بحث ودراسة تفصيليّة.
– مدى درجة الإفصاح عن رواتب أعضاء مجالس الحاكميّة والموظّفين ومكافآتهم، وما يتّصل بها من إنجازات وأعمال تم القيام بها.
– درجة تطبيق معايير ضمان الجودة المحليّة والعربيّة والإقليميّة.
وتُعد المعايير أعلاه مرتكزات أساسيّة لخمس مراحل مقترحة لتطبيق الحوكمة في الجامعات، وهي:
المرحلة الأولى: إشاعة ثقافة الحاكميّة وتكوين الرأي العام المؤيّد لها: وهي أهم المراحل إذ يتم فيها توضيح معالم الحاكميّة وجوانبها، وأبعادها والمفاهيم الخاصّة بها، ومناهجها وأدواتها ورسائلها. وفي هذه المرحلة يتم التفريق بين الحاكميّة بوصفها ثقافة وسلوكاً والتزاماً وسلوك والتزام، وبين الحاكميّة بوصفها أساساً للمعاملات النزيهة.
المرحلة الثانية: مرحلة بناء الحاكميّة: في هذه المرحلة يتم وضع بنية أساسية قوية قادرة على استيعاب حركتها ومقتدرة على التفاعل مع متغيّراتها ومستجدّاتها، وهي بنية مركّبة ومتشعّبة وممتدة. تتكوّن من بنية أساسية فوقية للحاكميّة، وتشمل مجالس الحاكميّة وجهات الإشراف على تطبيقها على مستوى الجامعة. وبنية أساسية تحتية للحاكميّة، تشمل الأساس القاعدي، والأخلاقي، والقيمي.
المرحلة الثالثة: وضع خطّة إجرائيّة للحاكميّة: وفي هذه المرحلة يتم تحديد الأعمال والمهمّات والواجبات.
المرحلة الرابعة: تنفيذ الحاكميّة وتطبيقها: وتُنفّذ بشكل دقيق مع التطوير والمراجعة المرحليّة لكل خطوة، وفيها تبدأ الاختبارات الحقيقيّة، وقياس مدى استعداد ورغبة كافّة الأطراف لتطبيق الحاكميّة.
المرحلة الخامسة: متابعة الحاكميّة وتطويرها: في هذه المرحلة يتم التأكد من حُسن تنفيذ جميع المراحل السابقة، إذ تُعد الرقابة والمتابعة الوسيلة والإدارة الرئيسة التي تستخدمها الجامعة من أجل حُسن تنفيذ الحاكميّة، وهي رقابة ذات طبيعة اشتقاقيّة تكامليّة لها وظيفتان: الأولى: علاجيّة والثانية: وقائية ابتكاريّة.
yacoub@meuco.jo