جريدة الغد بتاريخ 19 أيلول 2012
تلعب الحاكمية ومبادئها دوراً فاعلاً في الإصلاح المجتمعي بعامة والإصلاح الإداري والاقتصادي والاجتماعي بخاصة، وقد أكد الباحثون على وجود أبعاد متعددة للحاكمية تتمثل في البعد السياسي الذي يتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعيتها وقدرتها على التمثيل الحقيقي لمختلف الفئات على تنوع أفكارها وانتماءاتها ورغباتها، والذي يميز حاكمية الحكومة عن حاكميه الشركة، وهو أساس الإصلاح المجتمعي بجوانبه كافة.
أما البعد الاقتصادي للحاكمية فيتعلق بالتنمية الاقتصادية، وذلك بحكم العلاقة الواضحة بين الحاكمية وحجم الاستثمار من جهة، والقضاء على الفساد من جهة ثانية، وتحقيق التنمية الاقتصادية من جهة ثالثة، إذ إن الفساد يسهم في تدني الاستثمار العام وإضعاف البنية التحتية للاقتصاد.
وفيما يتعلق بالبعد الإداري فإن مفهوم الحاكمية يتمحور حول مقومات الإدارة الناجحة، والانتقال بفكر الإدارة والحكم من مفهوم الحكومة إلى مفهوم الحاكمية، ويُجمع الباحثون على أن الإصلاح الإداري يعد متطلبا أساسيا للإصلاح المجتمعي.
وللبعد الاجتماعي للحاكمية أهمية بالغة في الدول النامية، بسبب ارتباط الحاكمية ببعض الإيديولوجيات السياسية، وبالمنظومة الفكرية الغريبة التي تزعم نشر هذا المفهوم، وتنعكس مكونات الحاكمية في المجتمع من خلال التفاعل بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتهدف الحاكمية الاجتماعية إلى توجيه الأهداف الجماعية وإنجازها.
ويظهر البعد المالي للحاكمية بوضوح من خلال الأزمات المالية التي تظهر في الأسواق المالية، كما يظهر من خلال تطبيق مبادئ الحاكمية في القطاع الخاص، إذ تعمل الحاكمية على تنظيم العلاقة وتحديدها بين الأطراف المؤثرة بقرارات الشركة، ونتائجها المالية من أصحاب المصالح وحملة الأسهم.
وتتداخل أبعاد الحاكمية الخمسة وتتفاعل مع بعضها، ويعد البعد الإداري الذي يتداخل معها جميعاً ركنا مهماَ من أركان الإصلاح المجتمعي، فمن خلاله يتم إصلاح المجتمع من جميع جوانبه، ومن خلاله تتم المحافظة على أموال الدولة عن طريق المساءلة، ومن خلاله يتم تعزيز ثقة المتعاملين مع مؤسسات الدولة المختلفة، ويتم ضمان الجدوى الاقتصادية المستهدفة من تعاملهم، الأمر الذي ينمي الشعور الوطني والولاء لعموم أبناء الشعب.
ومن هنا فإن الحاكمية الرامية إلى الإصلاح المجتمعي تتطلب توافر بيئة سياسية واجتماعية وإدارية واقتصادية مناسبة تتمثل في سلطة سياسية شرعية ومنتخبة، تعمل في ظل فصل تام بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتعزز حكم القانون وسيادته على مختلف فئات المجتمع وطبقاته، وتعزز كذلك مبادئ المساءلة والمحاسبة للجميع دون استثناء، بغض النظر عن الواقع السياسي أو الاجتماعي أو الإداري، على أن يكون هناك مجلس محلي كفوء وفاعل وحريص على مصالح المجتمع، ومنظمات مجتمع مدني متطورة تمارس دورها باستقلالية ودون قيود، ومشاركة واسعة لمختلف الفئات دون استثناء بسبب الجنس أو الطائفة أو الأقلية أو الانتماء السياسي، وأن تتوافر الشفافية التامة والنشر الواسع للمعلومات لتكون متاحة لكل أفراد المجتمع دون حجب أو تشويه.
وان يتم اجتثاث الفساد على مستوى الأفراد والهيئات، وأن تتوافر أجهزة ذات كفاءة عالية لغايات الرقابة وتقييم الجهود والإنجازات، وأن يتم عمل ذلك ضمن رؤية استرتيجية تتحدد في إطارها الخيارات حسب الأولويات مما يعزز قدرة المجتمع المحلي على النهوض والتطور، وأن تكون هناك استجابة من المؤسسات والمنظمات في إطار آليات شفافة همها خدمة المجتمع وتلبية متطلباته
yacoub@meuco.jo
yacoub@meuco.jo