الرأي الثلاثاء 26/04/2016
حالة من الاندهاش تسود أوساط المحللين السياسيين على اثر الرسائل العديدة التي بعثها الرئيس الأمريكي باراك اوباما إلى دول الشرق الأوسط ، وشكلت صدمة في مضمونها وتوقيتها ، حيث جميع الأزمات ما تزال مستعرة ، باستثناء الملف النووي الإيراني الذي تم حل مشكلته باتفاق مشترك ، وبصفحة جديدة في العلاقات الأمريكية الإيرانية.
القراءات كثيرة ومتناقضة حول ملامح السياسة الجديدة للولايات المتحدة في المنطقة بما في ذلك إعادة ترتيب أولوياتها التي قد تختلف عن أولويات دول عربية نتيجة الصراعات المفتوحة في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا والحضور الإيراني كطرف مباشر فيها ، فهل يمكن الحديث عن نشوء خلل في العلاقات العربية الأمريكية ، أم عن تغيير في سياسات بدت أنها ثابتة منذ عدة عقود ، وتفرض الآن على الأطراف الأخرى إعادة النظر في أولوياتها أيضا ؟
في الماضي القريب كانت لدينا مظلات لم نكن نستظل تحتها إلا في مناسبات نادرة ، مثل التضامن العربي ، والأمن القومي العربي والتعاون العربي المشترك ، وغير ذلك من الشعارات القومية ، ولكنها كانت موجودة ضمن الأدبيات القومية حتى تلاشت مع الوقت نتيجة التناقضات والصراعات العربية ، فالعودة إلى تلك الشعارات أو العناوين ليس خيارا مشجعا ، وإن كانت تشكل منطلقا للتذكير بأن واقع العلاقات العربية المشتتة لن يفضي إلى أي نوع من التغيير في ضوء تبدل المواقف ، واهتزاز الثوابت.
كانت المشكلة وما تزال تكمن في تصنيف الشركاء العرب من حيث القوة والضعف ، والغنى والفقر ، والقريب والبعيد ، والكبير والصغير ، وهكذا ، وليس على قاعدة المساواة في القيمة والدور ، وقد استسلم البعض لتلك التصنيفات ، ولم يستسلم البعض الآخر ليس من باب المناكفة ، بل لأن تلك الطريقة لن تحقق الغاية من التضامن لمواجهة التهديدات والتحديات التي يتعرض لها العالم العربي !
أنا من المؤمنين جدا بأن للأردن قيمة ودورا في هذه المنطقة من العالم ، وأن حضوره الإقليمي والدولي لا يمكن التقليل منه تحت أي تصنيف ، وأراه قادرا على تشكيل نواة للتفكير في التغيير المطلوب على الساحة العربية ، وأكاد أجزم أنه أدرك رسائل اوباما قبل غيره ، وقبل أن يقرأ الرئيس الأمريكي بعضها لمجلة اتلانتيك الأمريكية ، أو يصرح بها خلال جولته الأخيرة في المنطقة ، وفي أوروبا ، والأردن بقيادة جلالة الملك قادر على تقديم رؤيته لنوعية ومستوى التغيير المطلوب.
فإذا كانت مشاكل الشرق الأوسط العميقة والخطيرة على حد تعبير الرئيس اوباما قد دفعت الولايات المتحدة للتنصل منها ، والابتعاد عنها ، فذلك يعني أننا أمام خيارين: إما أن نستسلم لها كأمر واقع ، وإما أن نتصدى لها ، وفي ذلك ما يدعو إلى وضع منطلقات جديدة للتفكير من أجل التغيير !
yacoub@meuco.jo