الغد الإثنين 2020/02/17
زيارة من أجل القدس !
لم تسبقها زيارة من قبل، هي المرة الأولى التي يزور فيها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أرمينيا، والمناسبة هي إلقاء خطاب أمام أكاديميين ودبلوماسيين، وبالطبع إجراء مباحثات مع الرئيس أرمين سركيسيان، بشأن العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية، وفي المناسبتين يفرض التاريخ القديم حضوره عندما يأتي الحديث عن قدم العلاقة التي تجمع بين الأردنيين والأرمن منذ عام 1916.
سركيسيان عائلة الرئيس الأرميني سمعنا بها من خلال أسماء لشخصيات أردنية أرمنية نعرفها، ومحلات تجارية ، مثلما عرفنا أسماء عائلات أرمنية كثيرة من مصوريين وساعاتيين وموسيقيين، ونعرف حي وكنيسة ومدرسة الأرمن، بل هناك من يتذكر أن اللواء كريم أوهان المسيحي الأرمني تبوأ منصب مدير الأمن العام في الأردن عام 1957!
مذبحة الأرمن التي كانت السبب في هجرة الأرمن إلى الأردن، وبلاد الشام جعلت الفارين من تلك الجريمة الإنسانية يعدلون بوصلتهم نحو الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه، الثائر على الظلم، الحالم باستقلال العرب ونهضتهم الكبرى، وكانوا على يقين أن دينهم وعرقهم في أمان وطمأنينة عند سليل الدوحة الهاشمية، وفي كنف الإسلام النقي الذي يجير كل من آوى إليها، نصا دينيا واضحا، وواجبا مفروضا، وشهامة عربية أصيلة ليس كمثلها أصالة حين يحك معدنها الحقيقي في اللحظات الحاسمات.
في العام الماضي طرحت الحكومة الأرمينية أولويات سياستها الخارجية، ومنها الحفاظ على سيادتها وضمان أمنها، والمساهمة في إقرار الأمن الدولي والإقليمي، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، بما في ذلك نزاع ناغوري كاراباخ المتنازع عليه مع أذربيجان، وظلت متمسكة بمطالبتها المجتمع الدولي الاعتراف بالإبادية الجماعية الأرمنية كجريمة ضد الإنسانية وأن هذا الاعتراف سيكون بمثابة ضمانة للأمن والاستقرار والتضامن بين الشعوب!
أعود إلى خطاب أو محاضرة جلالة الملك أمام الأكاديميين والدبلوماسيين الأرمن لأشير إلى الكيفية التي أعاد فيها صياغة الصورة العامة ضمن حلقات تبدأ من أصل العلاقة بين العرب والأرمن، والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين ، ليأخذ الحاضرين إلى حي الأرمن في القدس، وكنسية الأرمن في موقع عماد المسيح عليه السلام، ليخلص إلى أن مسؤولية الحفاظ على القدس رمزا للسلام والتعايش والوئام هي قضية الشعوب والديانات جميعها.
لقد كانت زيارة من أجل القدس أولا، ومن أجل أن يفهم أولئك الذين يواصلون فرض موقفهم بقوة السلاح خارج أراضيهم، بحجة أمن دولهم، ويبيحون تدخلهم وانتهاكهم لأرض الغير وسيادته ، إنما يواصون الجرائم بحق الإنسانية ، مهما وجدوا لأنفسهم المعاذير والأسباب، فكل صراع أو نزاع يسفر عن قتل ودمار وتشريد هو جريمة يرتكبها أولئك الذين لا تستطيع عقولهم وضمائرهم منحهم فرصة التفكير الإنساني والأخلاقي لحل النزاعات.
منذ أن لجأ الأرمن إلى الأردن قبل أكثر من مئة عام، وكل لجوء تبع ذلك إلى هذا البلد، وحتى يومنا هذا لم يكن سببه سوى الجرائم في حق الإنسانية!