السبت 2020/03/07
أجمعت شخصيات سياسية ودينية من الأردن وفلسطين على ضرورة وضع نهج عمل واضح لمواجهة تطبيق صفقة القرن، وفق أسس تستند الى وحدة الصف العربي والإسلامي والمسيحي، والتركيز على الشأن التعليمي في زرع الحسّ الوطني لدى الأجيال والحفاظ على اللغة العربية، وخلق تحالفات في المنطقة تخدم القضية الفلسطينية وتوجد تيارات داعمة للأردن وفلسطين في رفض صفقة القرن.
جاء ذلك، خلال حلقة نقاشية نظمتها جريدة «الدستور» بالتعاون مع جامعة الشرق الأوسط أمس، في مبنى الجامعة، تحت عنوان (رؤيتنا لمواجهة صفقة القرن)، شارك بها قرابة العشرين شخصية سياسية ودينية أردنية وفلسطينية، عملوا على مدى أكثر من ثلاث ساعات على بحث صفقة القرن بشكل تحليلي، دقيق، مؤكدين أن الصفقة تضر بالأردن كما بفلسطين، رافضين تطبيقها على أرض الواقع رغم تمرير جزء منها حتى الآن، لكن في واقع الحال فإن الأردن وفلسطين لن يرضيا بتمريرها وتطبيقها على أرض الواقع، وهما الدولتان اللتان علا صوتهما بكلمة (لا) للصفقة.
وفيما رفض المتحدثون الصفقة جملة وتفصيلا، رفضوا تلك الأصوات التي تنادي بوجود بعض الإيجابيات بها، مشددين على أن هذه الصفقة لا تحمل أي ايجابيات سواء كان لفلسطين، أو للأردن، وتطبيقها يضرب السلام بالصميم، فهذه الصفقة تعدّ مشروعا اسرائيليا بإملاءات أميركية، وتهدف لخطر جسيم على المسجد الأقصى المبارك والمقدسات المسيحية أيضا، كونها تهدف لشرعنة الخطة الإسرائيلية، الهادفة لتهويد القدس وجعل فلسطين كجسم النمر (بقع موزعة)، أو جزر معزولة.
واعتبر المتحدثون أن أكثر ما يخيف اسرائيل ويعيق خططها سواء كانت المستهدفة فلسطين أو الأردن، هي وحدة (العمّة) الإسلامية و(القلنسوة) المسيحية، بمعنى قرب قبعتي الإسلام والمسيحية من بعضهما البعض، فرؤية اسرائيل لهذا الأمر يجعل من خططها تتراجع، ويكبر حجم الخوف من الجانب العربي، ففي الوحدة المواجهة الحقيقية لكل المخططات الاحتلالية.
الجلسة الافتتاحية
رئيس مجلس أمناء جامعة الشرق الأوسط الدكتور يعقوب ناصر الدين، عبّر عن سعادته بالشراكة البحثية مع صحيفة الدستور ممثلة برئيس مجلس إدارتها محمد داودية، ورئيس تحريرها المسؤول مصطفى الريالات، ومديرها العام الدكتور حسين العموش من أجل عقد نقاش موضوعي بشأن مسألة بالغة التعقيد في طبيعتها وأبعادها، وأثرها على القضية الفلسطينية، وعلى الأردن، ومستقبل المنطقة كلها.
ولفت ناصر الدين إلى أن غايتنا من هذا النقاش هي الذهاب إلى مرحلة من التفكير الموضوعي في كيفية التعامل مع مرحلة تبدو في غاية التعقيد، بعد أن تم الإعلان عن «صفقة القرن» بالطريقة والتوقيت والمحتوى الذي جاءت عليه، تحمل في طياتها عناصر رفضها من جميع الأطراف التي لم تكن جزءا منها، لا في النصوص، ولا الترتيبات ولا الحد الأدنى من التشاور والتنسيق مع الأطراف الرئيسية في ما كان يعرف بالصراع العربي الإسرائيلي، أو المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية .
وقال ناصر الدين باختصار نحن أمام خطة أمريكية إسرائيلية تقوم على مفهوم الدولة القومية اليهودية على كامل فلسطين التاريخية، وعلى أن القدس هي العاصمة الموحدة والأبدية لتلك الدولة، وفرض ذلك على أنه أمر واقع غير قابل للنقاش، فيه خارطة طريق وهمية لاحتمال وهمي أيضا، بإمكانية وضع ترتيبات لكانتونات سكانية فلسطينية إذا حصل الفلسطينيون على شهادة حسن سلوك من إسرائيل.
وأضاف ناصر الدين أن الرفض الاردني والفلسطيني ، وحتى الرفض العربي المعلن في بيان الاجتماع الطارئ الأخير لمجلس الجامعة العربية على مستوى الوزراء، أمر واقع أيضا، فليس هناك مدخل واحد يمكن الدخول منه للتعامل مع هذه الصفقة، بل إن المدخل الاقتصادي، والدعم المالي الموعود، يعزز حالة الرفض عندما يكون ثمنا لقبول ما لا يمكن قبوله.
لكن الرفض في حد ذاته وفق ناصر الدين موقف يظل بلا قيمة ما لم ينبن على إستراتيجية واضحة للانتقال من مرحلة عدم القبول المعبر عنه بالبيانات السياسية والإعلامية، إلى مرحلة التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية لعملية الرفض، وفق مرجعيات قانونية ومنهجيات علمية، وإجراءات عملية وواقعية، نستعيد بها جميع الحقوق التي تنكرها الصفقة .
وأشار ناصر الدين إلى أن هذه الأمور هي هدفنا من هذا النقاش، وأملنا أن نخلص إلى عدد من المنطلقات التي تمنحنا الفرصة لوضع أرضية جديدة نبني عليها فكرا مسؤولا ومتقدما، ندرك من خلاله عناصر القوة والضعف عندنا، وعند الطرف الآخر، ونعرف كذلك التحديات والمخاطر، والفرص التي نستطيع ايجادها لصيانة موقفنا ، وتحويل تلك التحديات لصالح قضيتنا العادلة.
من جانبه، شكر رئيس مجلس إدارة جريدة الدستور محمد داوودية قادة الرأي والنخبة المسؤولة المشاركة في الحلقة النقاشية، وقال نتطلع الى سماع آرائها الحرة الجريئة في سبل مواجهة التحديات الضاغطة على بلادنا وقضايانا وكيفية التعامل معها.
وقال داووديه اسمحوا لي ان اضع بين أيديكم الأسئلة التالية التي تتعلق بسبل مواجهة تحديات صفقة القرن.
كيف يمكن المواءمة بين المصالح والمبادىء، ورسم خطوط التقدم والتراجع والمناورة السياسية والدبلوماسية والحقوقية والاعلامية؟، هل يمكن قياس مدى قدرتنا على الممانعة؟، إلى اي مدى يمكن الركون إلى قدرة القيادة الفلسطينية الممزقة على استمرار الصمود الراهن؟ وما هي قدرة الأردن على المواءمة في الاستجابة للضغط الشعبي والوضع الاقتصادي والضغط الأمريكي- الاسرائيلي؟ وما هي الإرتدادات المنتظرة من تنفيذ بنود الصفقة الجائرة بحق الفلسطينيين، الخطيرة على أمننا الوطني، ما الذي علينا أن نوصي به على المستوى الداخلي الأردني والداخلي الفلسطيني والعربي والأممي؟.
الجلسة الأولى
في الجلسة الأولى التي ترأسها الإعلامي جرير مرقة، تحدث خلالها رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، والوزير الأسبق عدنان أبو عوده، وسماحة الشيخ عكرمة صبري، والأب نبيل حدّاد ، حيث اكد المصري أن السلام لم يعد يحمل هذا المعنى، والمفهوم المتفق عليه، نحن في الأردن تقيدنا بعملية السلام، منذ البدايات والتزمنا بها بقيامنا باجراءات هامة للسلام، لكن اسرائيليين لم يسيروا في خطة السلام بشيء.
ولفت المصري إلى أن ما تم الإعلان عنه مؤخرا تحت اسم صفقة القرن، جاء ليزيد الأمور سوءا، فهو اجراء جاء برعاية اميركا، لتنهي بذلك الشرعية الدولية وكل قرارات الأمم المتحدة وحقوق الانسان، وذلك لن يؤدي للسلام، فما أعلن عنه هو حكم ذاتي لفلسطين، بل أقل أيضا من مبدأ الحكم الذاتي، كونها لا تملك السيادة على أراضيها بالكامل، وهي جزر داخل اسرائيل ولا صلاحية لها بشيء ولا حتى في غزة، لا تملك مطارا ولا سلطة على الحدود، ولا سلطة بالجو وكله بيد اسرائيل.
وشدد المصري أن ما يحدث في فلسطين لم يحدث بالتاريخ بحجم ظلمه، وللأسف أن هناك من يرى أن اسرائيل لم تعد تشكّل خطرا .
وبين المصري أننا في الأردن نرفض صفقة القرن بكافة تفاصيلها، وهي تتضمن الكثير من السلبيات التي تلحق بنا، وبحقوقنا.
ثم تحدث الوزير الأسبق عدنان أبو عودة الذي استعرض جزءا من عمله أثناء حمله لحقيبة الإعلام في عهد المغفور له الملك الحسين رحمه الله، مبينا أن القضية الفلسطينية لها جانبين أحدهما فكري وآخر معلوماتي.
ورأى أبو عوده أن الميدان الفلسطيني في الداخل يجب أن يكون من تفكير مواجهة صفقة القرن، وأن يكون في معركة من أجل الدولة الواحدة، منبها إلى أن الأردن جزء من البرنامج الصهيوني، بالتالي فإن الاردن بعد الفلسطينيين تشكّل له الصفقة خطرا كبيرا، وتضرّ بمصالحه الوطنية، لذا فإن الحل اليوم يمكن أن يكون من الداخل الفلسطيني، وعلينا أن نرتب لكيف سيكون التواصل المنظم مع الداخل.
بدوره قال خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري يهمني أن يهتم الاعلام الموضوعي المتابع بفلسطين وهذا مما تتميز به جريدة «الدستور» واشكر جامعة الشرق الأوسط التي تضع جانبا كبيرا للبحث بهذا المجال.
وبين الشيخ صبري أن صفقة القرن ليست جديدة، وكثيرا ما تعرضنا لمضمونها ، فمنذ سنوات وقضايا متعددة تطرح، لكن ما نريد التأكيد عليه أن الوطن البديل لن يكون فالشعب الفلسطيني يرفض ذلك، ونحن طالما أرسلنا رسائل للأردن أن لا يقلق ولا ينزعج من هذا الموضوع، لأن شعبنا ثابت ومتجذر في أرضه، لن تكون أي هجرة أو نزوح جديد، وفي فلسطين سيكون الحياة أو الإستشهاد على ارض فلسطين.
وشدد الشيخ صبري أن صفقة القرن حلّ من ضمن الحلول التي نثبت في فلسطين ونحبط ما يثار بشأن الوطن البديل، كما أننا لا نقبل التعويض فاللاجئ سيبقى لاجئا ولن يسقط حقه الا بعودته لوطنه، فلا للتوطين ولا للتعويض.
وقال الشيخ صبري أن المستوطنات مزّقت فلسطين لتجعلها كما جلد النمر «على شكل بقع»، مشددا على رفضنا على سياسة المستوطنات ويجب وقف أي مفاوضات ما دامت هناك مستوطنات تبنى.
مدير مركز التعايش الديني الأب نبيل حدّاد أكد من جانبه على ضرورة الوحدة بين العرب والمسلمين والمسيحين وصولا لحل صارم يقف أمام تطبيق صفقة القرن، مبينا أن ما حدث في واشنطن هو مسرحية تم خلالها اطلاق خطة سميت بخطة سلام وهي لا تتضمن شيئا عنه.
واعتبر الأب حداد أن أكثر ما يخيف اسرائيل هو قرب «العمّة» الإسلامية، من «القلنسوة» المسيحية، فبالوحدة يتم تجاوز أي عقبة ومواجهة اسرائيل بشكل عملي وحقيقي.
الجلسة الثانية
الجلسة الثانية التي ترأسها نائب رئيس تحرير جريدة الدستور عوني الداوود وتحدث خلالها الوزير الأسبق كامل أبو جابر، والعين هيفاء النجار، والشيخ حمدي مراد، وعضو الكنيست أحمد الطيبي.
وأكد كامل أبو جابر على أن الأردن يرفض صفقة القرن كونها تضر بمصالحه الوطنية، لذا فقد كان من أوائل الدول التي أعلنت رفضها وبصوت مرتفع للصفقة، مبينا أن مواجهة تطبيقها تتطلب وحدة الصف العربي والفلسطيني، أضف لذلك الوحدة الإسلامية المسيحية.
بدورها، أكدت العين هيفاء النجارعلى أهمية استعادة العقلانية في المنطقة العربية، وأشارت إلى أهمية دور الأردن ومسؤوليته الكبيرة في المرحلة الحالية بالرغم من تعرضه للتهديد وبقدر صعوبة الوضع الذي يمر فيه.
وأضافت أن الحاجة الآن لمجابهة صفقة القرن هي بإنشاء برنامج تربوي سياسي اجتماعي للدخول في عمق الفكر العربي واستعادة عقلانية مشروعنا الثقافي لإعادة مبادئ الحرية والعدالة وزيادة مساحة التفكير الإبداعي.
وشددت على ضرورة بناء تحالفات جديدة في مختلف أنحاء العالم لنصرة الأردن في قضيته وذلك لأن قوة الموقف الأردني تدعم الموقف الفلسطيني بعد أن تم إقصاؤه.
من جهته أشار الدكتور حمدي مراد إلى أن عنوان صفقة القرن هو إلغاء القانون الدولي وشرعيته الأمر الذي يقود إلى اليأس من أي حوار عربي – إسرائيلي أو عالمي – إسرائيلي. وأضاف أن مشهد الحل السياسي مع الكيان الصهيوني ليس له طريق إطلاقاً. بل يجب العمل على رفع مستوى التنسيق على المستويين الرسمي والشعبي للوقوف أمام المخططات الصهيونية.
عضو الكنيست الدكتور أحمد الطيبي أكد على أن صفقة القرن كانت جزءاً أساسياً من الانتخابات الإسرائيلية من ناحية المادة الإعلامية والدعاية الانتخابية، وقد طرحت من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كخدمة لصديقه نتنياهو لتؤثر على الانتخابات. وكان الحديث يتعلق بجزئية الضم كضم غور الأردن مثلا وفرض السيادة الاحتلالية على القدس بأكملها كقرار دولي.