الغد الإثنين 2021/03/01
العصا البيضاء والوباء!
ترمز العصا البيضاء إلى المكفوفين في أنحاء العالم، والتي تم تطويرها منذ زمن بعيد لتكون بمثابة عين لهم، تعينهم على السير في الأماكن العامة، وتلفت انتباه السيارات والمارة إلى تقديم المساعدة لهم عند الحاجة، ولعلي أستعير تلك الرمزية الآن وفي زمن جائحة الكورونا لكي اشير إلى حالة “التعمية” التي يعيشها العالم نتيجة ذلك التدفق الهائل من المعلومات غير الموثوقة، والتصريحات المتناقضة حتى من مصادرها العلمية، ومرجعياتها المؤسسية!
ما بين التعتيم الذي عرفناه مع بداية الجائحة، والتعمية التي تحجب الرؤية عنا الآن تولدت حالة من الريبة والشك في القرارات التي تتخذها الحكومات في معظم أنحاء العالم، وذلك ما يفسر الجدل السائد في مجتمعات يفترض أنها الأكثر تنظيما، حول المعلومات السابقة عن طبيعة فيروس كورونا، والأعراض والفحوصات والعلاجات واللقاحات، ومعادلة المنحنى الوبائي ومناعة القطيع، وغير ذلك مما تسقط نظرياته من بلد لآخر، ومن شخص لآخر، وذلك هو الحال الذي نحن عليه كلما اتخذت الحكومة قرارات بالحظر أو رفع الحظر، وزيادة أو تقليل ساعات منع التجول.
أكثر من جهة أو مسؤول أو خبير يصرحون بصورة متناقضة في لحظة واحدة، ومن الواضح أننا فقدنا جهة الاتصال التي اعتدنا عليها في بداية انتشار الوباء، والمتمثلة في المؤتمر الصحفي اليومي لوزيري الصحة والإعلام ومدير مركز الأزمات، ودخلنا حالة من العشوائية في التعبير عن وضعنا الوبائي من دون ضوابط محددة، كما هو الحال بالنسبة للتدابير المتعلقة بمواصلة الحياة العامة وفق إجراءات لا يتم احترامها بالقدر الذي يسمح لنا بممارسة شؤوننا العادية وضمان عدم انتشار الوباء في آن معا.
تلك الهوة بين القرارات الحكومية وتنفيذها على أرض الواقع يجب أن تردم، ولكن على المعنيين أن يدركوا أن أحد أسباب عدم اليقين بكثير من القرارات ناجم عن هذا القدر من المعلومات التي تسدل علينا كستائر تمنعنا من رؤية المصالح العامة كما ينبغي من الوضوح واليقين والثبات.
تلك أزمة داخل الأزمة الكبرى على ما يبدو، فقد حان الوقت لفرض ضوابط للتصريحات ذات العلاقة بالوضع الوبائي، خاصة بالنسبة للذين يمثلون الجهات الرسمية ذات العلاقة، وضوابط لنظرائهم الذي يمثلون القطاعات الاقتصادية، والشؤون العامة، ونحن بالطبع نعرف أن حالة الغموض تشمل الجميع على مستوى العالم كله، ولكن من حقنا أن نعرف من هم أصحاب العصي البيضاء، وفي أي اتجاه يسيرون حتى نعينهم، ونعين أنفسنا على تجاوز هذا الطريق الوعر!