جريدة الغد الإثنين 2021/09/20
بين البطالة والتشغيل !
أصبحت البطالة واحدة من أكبر المشكلات التي تواجهها جميع دول العالم بنسب متفاوتة ، بعد أن دخلت عوامل كثيرة خارجة عن السيطرة ، غير تلك المعروفة ضمن مفهوم العرض والطلب للقوى العاملة ، وهيكلة الاقتصاد ، وما يرتبط بها من مؤشرات وإحصاءات ، بل إن تعريف منظمة العمل الدولية للعاطل عن العمل بأنه ” كل شخص قادر على العمل ، وراغب فيه ، ويبحث عنه ، ولكن دون جدوى ” لا يمكن الاعتماد عليه كمنطلق لايجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلة المتفاقمة .
منذ زمن بعيد والتقدم الصناعي يقضي على أنواع عديدة من العمالة التقليدية ، وفي كل تقدم يحرزه الذكاء الاصطناعي يفقد الكثيرون وظائفهم ، مقابل أعداد أقل يدخلون إلى هذا المجال ، وكذلك الحال بالنسبة لفرص العمل التي وفرتها ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بصورة محددة لا تحتمل الفائضين عن الحاجة ، أما المصائب التي تعرضت لها اقتصاديات الدول نتيجة جائحة الكورونا وأفقدت الكثيرين وظائفهم فلم تظهر حتى الآن أضرارها بعيدة المدى على قطاعات بأكملها!
الدول الصناعية الغنية ، والدول النامية الفقيرة تعاني من ارتفاع معدلات البطالة ، والمخاوف تجاوزت الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية إلى أبعاد سياسية وأمنية ، خاصة وأن الشباب العاطلين عن العمل يتعرضون للإحباط واليأس والغضب ، وهم غير واثقين من الإجراءات التي تتحدث عنها الحكومات لمعالجة مشاكلهم ، خاصة وأن الحلول الجذرية المطروحة تبدأ من التعليم ، ونوعيته ومجالاته الجديدة ، وإعادة هيكلة الاقتصاد ، وإقامة مشروعات إستثمارية كبرى ، تستوعب العمالة المحلية ، وتقلص من العمالة الوافدة ، بما يبدو بحاجة إلى صبر وانتظار طويل .
خطة التعافي الاقتصادي التي أعلنت عنها الحكومة مؤخرا ، بمحاورها وأهدافها وأولوياتها ، وبكلفة أربعة مليارات دينار خطوة جيدة لمعالجة أحد جوانب الأزمة الناجمة عن جائحة الكورونا ، أي تخفيض نسب البطالة ، وإذا ما تم تطبيقها على أرض الواقع بنجاح فيمكن أن تحدث نوعا من التوازن في الاقتصاد الوطني ، ولكن الخطة التي سبقتها خطط لم تحقق النجاح المأمول يجب أن تكون جزءا من إستراتيجية أشمل وأعمق ، ذلك أن التعافي الذي يتطلع إليه الجميع ليس مرتبطا بالوباء وحده ، وإنما بأمراض أخرى بعضها جسدي ذاتي ، والآخر مرتبط بأمراض البيئتين الإقليمية والدولية .
نسب البطالة في الأردن المقدرة بحوالي خمسة وعشرين بالمئة عالية جدا بالمعايير العالمية ، ومن الطبيعي أن يكون حوالي خمسين بالمئة من العاطلين عن العمل هم من الشباب ، ونحن ندرك الأسباب ، ولكن الزمن يدركنا أيضا ، ونحن لم نواجه الحقائق بعد ، والمصارحة غائبة بين أطراف المعادلة التي تتشكل من الحكومة والقطاع الخاص ، والجهات الداعمة ، ومن معظم العاطلين عن العمل الذين يعزفون عن قطاعات يأنفون العمل فيها ، وقطاعات تدعوهم إلى التدريب والتأهيل وكسب المهارات حتى تتمكن من تشغيلهم ، فتلك المصارحة والمكاشفة والمواجهة أصبحت ضرورية وواجبة !
الشراكة بين القطاعين العام والخاص ستبقى في أدنى مستوياتها ، وبعيدة عن العناصر التي تجعل منها الأساس لعملية النهوض الاقتصادي والتشغيل ما لم تبني على شراكة متكافلة ومتضامنة ومتكافئة ، بدءا بالتفكير والتخطيط والإدارة للمشاريع الاستثمارية وانتهاء بالمخرجات والنتائج .
المسافة بين البطالة والتشغيل تقصر أو تطول وفقا لما يحدث في الميدان ، أي تحويل النصوص المكتوبة ، سواء كانت إستراتيجية أو خطة أو مصفوفة إلى حيوية يراها الناس ، ويلمسون أثرها ، ويأكلون من ثمارها .