جريدة الغد الإثنين 2021/12/6
وقت عصيب!
رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومات على المستوى الدولي من أجل تحقيق قدر معقول من التعافي من الأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أن معظم الخبراء، سواء أولئك الذين يعملون في مؤسسات مالية واقتصادية، أو في مراكز الأبحاث والجامعات وغيرها؛ يجمعون على أن حالة عدم اليقين هي التي تتحكم في تفكير المؤسسات والأفراد على حد سواء.
لقد وصف أحد الخبراء هذه الأزمة المتفاقمة لأسباب عديدة – لعل أهمها جائحة كورونا المستمرة والمتصاعدة – بأنها أشبه بوحش مجهول يتربص بنا جميعا، وليس بعيدا عن الخوف الذي ينتاب المستثمرين والشركات الكبرى، فإن السواد الأعظم من الناس غير مطمئنين تجاه التزاماتهم اليومية من مصاريف، وإيجارات، ونفقات ضرورية، ولا حتى بالنسبة لوظائفهم أو مصالحهم التجارية البسيطة!
مع اقتراب نهاية العام الحالي تراجعت التوقعات التي تحدث عنها صندوق النقد الدولي بشأن تطورات الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تشهد فيه الجائحة موجات عدوى متحورة جديدة، ويخلص أحد تقارير الصندوق إلى أن الاختيار بين بدائل السياسات أصبح أكثر صعوبة، نظرا لمحدودية المجال المتاح للتصرف، الأمر الذي يهدد إمكانات التعافي العالمي ويقلّل من فرصها.
أما العجز الهائل في الموازنات العامة لمعظم دول العالم فإنه يعكس الحال التي آلت إليها الاقتصادات المحلية والإقليمية والعالمية؛ إذ إنه لا يؤشر فقط إلى الأوضاع الاقتصادية بمعزل عن الأوضاع الاجتماعية وأثرها على مستويات المعيشة بنسب سلبية متفاوتة، إنما ستبدو معه حكومات الدول الفقيرة – ونحن في الأردن من بينها – غير قادرة على تحمل الأعباء والمسؤوليات الواجبة عليها، حتى لو انتهجت سياسات صارمة، وفق أساليب إدارة الأزمات؛ ذلك أن العوامل الخارجية هي الأكثر تأثيرا وانعكاسا على الاقتصاد المحلي، خاصة عندما نتحدث عن موجات الوباء المتلاحقة، وآخرها المتحور ” أوميكرون “!
ذلك وقت عصيب على الدول والجماعات والأفراد، واليوم يقف كل فرد وجها لوجه أمام وضع لم تعرفه البشرية من قبل، ولم يعد مجديا لأحد انتظار الحلول من خارج محيطه الشخصي؛ فهو مجبر – إن لم يكن الآن ففي وقت قريب جدا – على التكيف مع هذا الوضع الشائك والمعقد، وإعادة ترتيب حياته، واختيار أولوياته تبعا لإمكاناته الحقيقية.
هذه الحقائق المريرة لا تستثني أحدا؛ فالأغنياء والفقراء، والعاملون والعاطلون عن العمل، لا بد أن يعيدوا التفكير في طريقة حياتهم؛ إذ إن الأزمة مستمرة، وتضارب المصالح بين الدول، بل الحروب المعلنة والخفية تزيد من انحسار التعاون البيني والإقليمي والدولي، رغم القمم العالمية الأخيرة، بما فيها قمة المناخ.
ليس القصد من هذا كلّه رسم صورة تشاؤمية للأوضاع الراهنة، إنما القصد إعادة تنظيم الحياة، بدءا من الفرد، إلى المجتمع، إلى الدولة كلها؛ من أجل تقاسم المسؤولية مهما كان حجمها أو أثرها؛ لتحلّ الطمأنية والأمل بدل الخوف واليأس والكدر!