جريدة الغد الإثنين 2022/1/3
بانتظار القادم القريب!
تغيّر الزمن من عام إلى عام لا يعني شيئا بالنسبة للتطورات الإقليمية والدولية، ولا للشؤون المحلية، إلا من زاوية كتابة تاريخ اليوم والشهر والسنة على المعاملات والمراسلات وغيرها، ومعظم التحولات المهمة التي قد نشهدها في الأشهر القليلة القادمة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتغيرات المهمة التي شهدناها في الأشهر القليلة الماضية على صعيد الأزمات المزمنة في منطقة الشرق الأوسط، والصراعات الدولية التي تزداد تعقيدا في الجنوب الشرقي لقارة آسيا، وإن كانت تنعكس سلبا أو إيجابا على العالم كلّه.
في القادم القريب ستفرض المعادلة الإقليمية تحديد دور كل دولة من دول المنطقة – التي نحن في الأردن جزء منها- ومكانتها في التجاذبات المتوقعة، وقد يتطلب الأمر التذكير بمواقف كل دولة على حدة من الصراعات القائمة منذ عدة عقود لمعرفة درجة التغير الذي يتوجب عليها كي يستقيم وضعها في الإقليم، وقياس الدور الذي يمكنها القيام به عندما يحين الوقت لإعادة ترتيب أوراقه السياسية والأمنية والاقتصادية.
هذه مرحلة انتقالية دقيقة تمر بها المنطقة، بعد أن جربت فيها كل أنواع المشاريع المقررة من خارجها، وجعلتها معلقة، قابلة للاشتعال في أي وقت، إلى درجة بلوغ بعض الأحداث حدّ التهديد بحرب شاملة، وما نتابعه الآن من التحولات في ملفات ما يعرف بعملية السلام العربي الإسرائيلي، والملف النووي الإيراني، والعلاقات العربية الإيرانية، والعلاقات العربية العربية تبدو وكأنها مقدمات للحالة التي ستكون عليها المنطقة في أمد قريب!
ما يهمنا هو الأردن من حيث موقعه، ودوره، ومكانته، في التوازنات الإقليمية والدولية المنتظرة، وإذا كان لا بد من جردة حساب لمواقفه من كل تلك الصراعات فإن النتائج ستكون لصالحه حتما، رغم الانطباعات التي تتشكل لدينا بصورة سلبية بشأن مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وطبيعة الجدل القائم حول شؤوننا الداخلية المليئة بالسلبية وسوء التقدير أحيانا؛ ذلك أن الأردن منفردا هو الذي غير مفهوم الدولة الإقليمية القوية من زاوية أنها الدولة الأقدر على التمسك بالقانون الدولي معيارا حاسما للقوة، وليس الدولة الأقدر على التدخل في شؤون غيرها، وفرض مكانتها بالقوة العسكرية أو الاقتصادية، أو كليهما معا، وجعل نظرية الأمن والتعاون الإقليمي المتعدد الأطراف هي البديل الأمثل للصراعات.
من المتعارف عليه أن جميع الدول كبرت أو صغرت لديها عناصر القوة والضعف، والفرص والتحديات، والأردن بموقعه الجيوسياسي، وفهمه العميق للنظام العالمي للدول تمكن من وضع نفسه في منزلة تعلو فوق معظم النوازع التي أدت إلى هذا القدر الكبير من التناقضات، وحافظ على المعادلات التي تضمن التوازن والاتزان في العلاقات الإقليمية، وفي أدق الظروف وأصعبها، لكي تعرف جميع الأطراف أن السلام مقابل السلام، وليس مقابل أي شيء آخر، وأن التعاون الجماعي يقوم على تحقيق مصالح كل الدول، وليس بعضها، وأن الحقوق هي تلك التي حددتها الاتفاقيات الدولية، ومنها القانون الدولي الإنساني، وليس ما يفرض كأمر واقع.
يضيق المجال للتذكير بتلك المواقف، ولكن لا يجوز أن يضيق العقل في فهم المرحلة الحساسة التي يمر بها الأردن، وهو يرسم طريقه نحو مئوية ثانية من عمره، وهو بأمس الحاجة لإعادة صياغة منظومته السياسية والاقتصادية والإدارية؛ كي يعالج بعض نقاط الضعف، ويعيد ترتيب أولوياته، وفي مقدمتها شأنه الوطني، الذي كلما تم ترسيخه وتنظيمه وتثبيت قواعده كان أثره بل مكاسبه في القادم القريب أكبر وأعظم.