جريدة الغد الإثنين 2022/1/31
شوط طويل!
لن يكون بإمكاننا من الناحية الموضوعية تحقيق مشروعنا السياسي بين ليلة وضحاها؛ فنحن في بداية شوط طويل من أجل إحداث تنمية سياسية تشارك فيها الأحزاب، والمنظمات، والهيئات الوطنية، التي تعبّر عن نبض المجتمع وطموحاته، في إطار عقلانية سياسية تقود إلى تحولات اقتصادية، واجتماعية، وإدارية، وتلك هي غاية ما نصبو إليه جميعا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأردن، الذي يواجه تحديات كبيرة على المستويين المحلي والإقليمي، والمُطالَب كذلك بتعزيز مكانته الدولية ليظل موضع تقدير على جميع المستويات.
من الطبيعي أن تعيد تلك المكونات السياسية والاجتماعية إنتاج نفسها من خلال الأطر المتعارف عليها، مثمثّلة في برامج واضحة المعالم، والمراحل، والأهداف؛ فالعوامل التي شكّلت كيان الدولة بنظامها، ومواطنيها، ومؤسساتها، هي ذات العوامل التي يجري تحديثها وفق حيوية طبيعية، من شأنها مواكبة حقبة أو مرحلة جديدة من مراحل التطور والرقي والتقدم، التي نسعى وتسعى إليها المجتمعات الحضارية في كل زمان ومكان!
التحديث لا يعني القطيعة مع القديم، بل لعلّه يعني إعادة صياغة عناصره، والبناء عليه ليكون أكثر قدرة على الاستمرار، أي: البناء على التجربة والدروس المستفادة منها، دون الإخلال بمنظومة القيم، والمبادئ، والمثل العليا التي نعتز بها ونتمسك، وفي اعتقادي أن النقاش على اختلاف مستوياته لا بد أن يلتزم بتلك المنظومة كي يكون مفيدا وبنّاء، وإلا فإنه يصبح نوعا من التشويه والتضليل، يطيل أمد شوطنا، ويعرقل مسيرتنا، ويثير حولها الشكوك والظنون!
كل الآراء لها ما يسوّغها، ومن حق الجميع أن يعبّروا عن وجهة نظرهم أو موقفهم من القوانين المعروضة على مجلس الأمة، ومن الأحزاب القائمة، أو المشكّلة حديثا، ولكنّ العجلة في الحكم عليها قبل أن تتشكل على النحو الذي يُفترض أن تكون عليه من حيث: التكوين، والتنظيم، والبرامج، والقدرة على التغيير؛ فيه ظلم كبير لتلك العملية السياسية برمتها؛ فالعجلة – كما يقال – من الشيطان ، وهل يمكن وصف هذه المرحلة إلا بأنها بداية لمئوية ثانية من عمر دولة تريد أن تقوّي بنيتها وتصلح أحوالها، وتعزز مكانتها، وتحقّق آمال شعبها وطموحاته المشروعه؟
ماذا لوعدنا قليلا إلى الوراء، أي قبل تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي انطلقت منها – بناء على إرادة سياسية عليا – الخطوة الأولى نحو حياة سياسية وبرلمانية، تعزز مبدأ المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وتتيح في الوقت المناسب فرصة تشكيل حكومات برلمانية، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية الراقية؟! ألم نكن جميعنا على يقين بأن قانون الأحزاب القائم، وواقع الأحزاب السائد لم يعودا قادرين على التقدم بالحياة الحزبية خطوة واحدة إلى الأمام؟! ألم نكن جميعنا على يقين بأن قانون الانتخاب المطبّق لم يعد مناسبا للتقدم بالحياة البرلمانية أو الارتقاء بها إلى المستوى الذي يعزز مكانة السلطة التشريعة ودورها التشريعي والرقابي؟
ما البدائل إذن؟! نبقى على الحال التي نرفضها، أم نرفض ونعيق التحوّل منها إلى حال نؤمّل أن تكون أفضل؟! سؤال محيّر بقدر ما هو مؤلم؛ لأولئك الذين يؤمنون بحتمية التغيير، والتحديث، والإصلاح، لا يرجون لأنفسهم نفعا، سوى أن يروا الأردن عزيزا قويا متقدما، ينعم بالخير والأمن والسلام؟!