جريدة الغد الإثنين 2022/3/14
أوروبا إلى أين ؟
ثلاثة تطورات في الصراع الدائر بين روسيا ودول حلف الأطلسي ، تدفع إلى الاعتقاد بأن القارة الأوروبية بأكملها تتجه نحو أزمة آخذة في التعقيد من يوم إلى يوم ، وأوروبا هي قلب العالم إذا جاز التعبير ، وأزمتها ستصيب مناطق عديدة من العالم ، وخاصة منطقة الشرق الأوسط .
ميدان المعركة العسكرية هو أوكرانيا حتى الآن ، وإذا أضفنا إلى ساحة المعركة ساحات الدعم والاسناد ، والأطراف ذات العلاقة بالعقوبات الاقتصادية على روسيا فتلك هي الحرب العالمية الثالثة ، بشكلها الجديد ، أو في مرحلتها الأولى ، وذلك هو التطور الأول الذي يبدو في ظاهره نوعا من الضغط لكي تنهي روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا ، ولكنه أقرب ما يكون إلى تطور يتحول تدريجيا إلى ترتيبات دائمة من شأنها إحداث تغيير جذري في مفاهيم وآليات العولمة ، والعودة إلى مرحلة التكتلات الاقتصادية المنعزلة عن بعضها !
التطور الثاني هو ما يمكن تسميته ” خصخصة الحرب ” في أوكرانيا على خلفية دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي الأجانب من كل أنحاء العالم للانضمام إلى ما أسماه اللواء أو الفيلق الدولي ، ذلك التوجه الذي رد عليه الرئيس الروسي بوتن ” إذا أردتم أن نلعب هذه اللعبة فهناك آلاف مستعدون للقتال إلى جانبنا ” وأقل ما يمكن وصف كل هؤلاء من الجانبين بالمرتزقة الذين لا يمنعهم شيء من القتال مقابل أجر ، خاصة في غياب دافع عقائدي أو أيدولوجي ، وتلك لعبة قديمة ، ها هي تتجدد في أوروبا ، وربما تستوطن لفترة طويلة من الزمن ، فأي بلاء قد يصيبها إن سمحت بحدوث تطور من هذا النوع ؟!
التطور الثالث هو الكشف عن مختبرات للتجارب البيولوجية ، التي تقول روسيا إنها مختبرات تابعة لأمريكا ، ضمن مشاريع الحرب البيولوجية ، ونشر الأوبئة ، الأمر الذي يفتح السؤال الكبير حول فيروس كورونا ، الذي أشغل العالم على مدى العامين الماضيين ، وتسبب في خسائر فادحة في الأرواح وفي الاقتصاد الدولي ، وما يزال.
لم تتردد روسيا بعرض هذه القضية على مجلس الأمن الدولي ، وعلى المنظمات الدولية المتخصصة ، في الوقت الذي رفضت فيه أمريكا تلك الاتهامات ، مشيرة إلى أنها تقدم المعونة فقط لتلك المختبرات في مجالات التجارب البيولوجية ، من أجل تعزيز قدرة أوكرانيا على مواجهة الأوبئة ، ومنها وباء الكورونا ، ومتهمة روسيا بأنها على وشك استخدام الأسلحة الكيميائية في حربها على أوكرانيا ، وتلك هي حرب التشويه والشيطنة المتبادلة بينهما ، وتلك هي الصورة التي تزداد قباحة لطبيعة النظام العالمي القائم حتى الآن ، فما هو شكل النظام الذي سيتشكل لاحقا ، انطلاقا من قارة أوروبا ، التي أشعلت الحربين العالميتين الأولى والثانية ؟
تلك تطورات لا تبشر بخير ، وكثير من قادة دول العالم يتجهون بأنظارهم بعيدا عن دول الاتحاد الأوروبي ، أي نحو الولايات المتحدة الأمريكية ، التي أعلنت بوضوح أنها ليست مستعدة لمواجهة روسيا عسكريا ، يتطلعون إليها الآن على أمل أن تطل إدارة الرئيس بايدن بعقلانية وبعد نظر تجاه مصير العالم ، ومصالح الشعوب وأمنها واستقرارها ، بل تجاه مستقبل حلفائها في حلف الأطلسي ، والمعسكر الغربي ، فتوقف تلك الأزمة عند هذا الحد ، وذلك عن طريق التفاوض المباشر بينها وبين الإدارة الروسية ، فإذا لم يتحقق أمل من هذا النوع ، قد يأتي زمن تلعن فيه أوروبا خصمها ، وتلعن حليفها معا !