جريدة الغد الإثنين 2022/3/28
من هذه الزاوية !
كثير من القضايا التي نتابعها على المستوى الوطني تعتمد في استخلاص نتائجها وأبعادها على الزاوية التي ننظر منها ، والطريقة التي نتحدث عنها بشأن تلك القضايا ، وفي الحقيقة أن اتساع أو ضيق تلك الزاويا هو العامل الذي يتحكم في فهمنا وتوصيفنا لها ، وأخذها على محمل الجد والأهمية القصوى ، أو على محمل الهزل والاستخفاف بالحيوية السياسية التي تشهدها البلاد !
لقد أنجزنا منذ أيام عملية انتخاب مجالس المحافظات والبلديات ، وأمانة عمان ، بالتزامن مع الانتخابات التي تمت في عدد من النقابات المهنية ، وما بين التركيز على نسب المشاركة في تلك الانتخابات ، وما شابها من مخالفات وخلافات ، وما بين التركيز على القيمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمجمل العمليات الانتخابية هناك فجوة كبيرة على مستوى التقويم بين الذين يؤمنون بالديمقراطية عن طريق توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار ، وبين الذين لا يثقون بعملية تحديث المنظومة السياسية بكل ما ارتبط بها من تعديلات دستورية ، وقانون للأحزاب وآخر للانتخاب !
تلك الفجوة يمكن أن تزيد من الشكوك المتبادلة بين النخب السياسية ، وربما تربك المشهد الوطني ، ما لم نذهب إلى مزيد من الحوارات الجدية حول المسارات المختلف عليها ، بعيدا عن الاتهامية والمبالغة في عرض الآراء ووجهات النظر ، فالجميع يرسمون الصورة التي يفترض أن يكون عليها الأردن ، وهو يمضي إلى مئوية ثانية من عمر الدولة ، التي شقت طريقها محفوفة بالمخاطر والتحديات الإقليمية ، ومن جوارها القريب ، فضلا عن تأثرها بالتوازنات الدولية ، وصعوبة خياراتها المحدودة غالبا ، لكي تحفظ مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي .
من المؤكد أننا لا نملك رفاهية النظر إلى شؤوننا المحلية معزولة عن التغيرات والأزمات المحيطة بنا ، على أن فهمنا لتلك التغيرات ، وكيفية التعامل معها أصبح مسألة مصيرية ، لا تحتمل الخطأ أو سوء التقدير ، عندما يتعلق الأمر بالأعباء التي تتحملها الدولة ، ولعل أبسط مثال على ذلك الحرب الدائرة في أوكرانيا ، التي انعكست علينا ، رغم بعدها عنا ، سواء ما يتعلق بارتفاع أسعار النفط أو حالة الفوضى في سوق المنتجات الغذائية وغيرها من السلع الأساسية !
وقد يسأل سائل ما علاقة هذا كله بانتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات ؟ والجواب يكمن في فهم البنية المتكاملة للدولة ، حين تعيد تنظيم شؤونها ، بناء على أولوياتها الوطنية ، وقدرتها على تحديث منظوماتها وقطاعاتها ومؤسساتها المختلفة ، لتكون أكثر قوة وصلابة في مواجهة التحديات المتوقعة ، وغير المتوقعة ، وهي عملية ترتكز أساسا على تنظيم مجتمعاتها المحلية ، ومشاركتها من خلال ممثليها في تلك المجالس في تحديد تلك الأولويات ، والمشروعات التطويرية والانمائية ، وغير ذلك مما هو ضمن مشمولات تلك المجالس ، ذلك أن تنظيم الحياة العامة في البلاد هو المظهر الأهم في تكوين صورة الدولة القابلة للتحديث والتطور والتقدم إلى الأمام .
من هذه الزاوية فإن الانجاز الذي تحقق على خلفية تلك الانتخابات ، والتقدم الحاصل في بناء حياة حزبية وبرلمانية جديدة تعكس دون شك حيوية وطنية غير مسبوقة ، أما المعركة التقليدية بين اليأس والأمل ، فيمكن حسمها بوعينا الوطني ، وايماننا القوي ، وعزيمتنا المشتركة في بناء الأردن الذي نريد !