جريدة الغد الثلاثاء 2022/04/19
غموض يسترعي الحذر !
الأحداث والتطورات التي تنقلها جميع وسائل الإعلام من كل مكان بكل تقنياتها عالية الجودة لا تكاد توضح شيئا لا على مستوى الأحداث نفسها ، ولا على مستوى التوقعات والاحتمالات المتعلقة بحاضرها أو مستقبلها ، وفي جميع الأحوال نحن أمام حالة من الغموض الذي يبدو وكأنه أداة يتم استخدامها لإخفاء ما هو أبعد بكثير مما نسمع ونرى من صراعات إقليمية ودولية !
ذلك غموض يفضي إلى حالة من الريبة والشك والتشويش وعدم اليقين مع أنها صراعات تهدد أمن واستقرار دول وشعوب بأكملها ، وتهدد السلام العالمي ، وتطيح بالنظام الاقتصادي الدولي ، وقد ظهرت بوادر تلك التهديدات على إثر الحرب الروسية على أوكرانيا التي تتصاعد معها حدة المواجهة مع الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ، وكلما لاحت في الأفق فرصة لاحتواء الوضع ، كلما ازداد الأمر تعقيدا وتصعيدا على المستويين العسكري والسياسي.
إن أكبر مشكلة يواجهها العالم في ظل هذه التطورات هو غياب مرجعية يمكن الاحتكام إليها ، أو آلية يمكن استخدامها لوقف أي من الصراعات القائمة ، بما في ذلك صراعات منطقة الشرق الأوسط ، سواء في فلسطين أو العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن أو ليبيا ، وغيرها مما هو ظاهر أو خفي ، ونحن هنا نشير إلى المحيط الذي يقع فيه الأردن باحثا عن لحظة يلتقط فيها الأنفاس من أجل أن يجد وسيلته في التعامل مع التطورات المتلاحقة ، ويمسك بزمام الموقف الذي يحفظ له مصالحه وسط هذه الأجواء المشحونة ، والمليئة بالمخاطر !
لقد فهم الأردن على الدوام مشكلات هذه المنطقة من العالم ، وقد أتقن في الظروف الصعبة إدارة الأزمات والتوازنات ، وحافظ على مكانته كبلد يتمسك بالمبادئ والأسس التي تقوم عليها نظرية الأمن والتعاون الإقليمي والدولي ، ولم يكن موقفه هذا نوعا من الحياد أو النأي بالنفس ، وإنما كان موقفا مرجعيا لأنه مبني على القانون الدولي الإنساني ، وعلى الشرعية الدولية ، بغض النظر عن الانتهاكات التي تمارسها الأطراف المتصارعة لتلك المبادئ .
لكن تلك التطورات التي تنبئ بمخاطر لا حصر لها تسترعي الحذر ، وشد الانتباه إلى حاجتنا الأكيدة لاعادة التفكير في طبيعة التوازنات التي يمكن ممارستها في وضع استثنائي لا يمكن التكهن بمساراته ونتائجه القريبة والبعيدة ، وفي اعتقادي أنه لا مفر من رسم خارطة طريق وطنية تدلنا على خطواتنا وسط هذا الغموض المريب!