إشارات على الطريق!
جريدة الغد، الاثنين 2022/05/09
منذ أن شرعنا بالسير خطوات نحو تحديث المنظومة السياسية ونحن نبحث عن الاتجاه الملائم لمرحلة ما بعد المئوية الأولى من عمر الدولة، ورغم الإعلان عن تشكيل أحزاب جديدة، وإقرار مجلس الأمة لقانوني الأحزاب والانتخاب، فما زلنا نقف عند حالة من الانتظار للخطوة التالية على طريق طويل، يحتاج لكثير من العلامات والإشارات التي تدل الجميع على المحطة التي نريد أن نبلغها من دون أن يضيع أحد على الطريق!
هذه مرحلة حاسمة جدا في مسيرتنا السياسية، وهي أقرب ما تكون لاختبار صعب يمتحن مدى قدرتنا على التخلص قدر الإمكان من موروث حزبي مثقل بالفشل والذكريات القديمة، والنماذج الصارخة بالدكتاتورية التي عرفتها بلاد عربية عزيزة علينا تحت حكم الحزب الأوحد، وغيرها من التجارب المريرة التي جعلت مجتمعنا ينفر من العمل الحزبي، ولا يرى فيه سبيلا للتعبير عن إرادته، وتحقيق طموحاته في الأمن والاستقرار والحياة الكريمة!
على مدى الأشهر القليلة الماضية، وتحديدا منذ تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وما صدر عنها من مخرجات حول التعديلات الدستورية وقانوني الأحزاب والانتخاب، وتمكين المرأة والشباب، والمشاورات والحوارات متواصلة على مستويات متعددة، وفي جميع محافظات المملكة، وفي اعتقادي أن قدرا مريحا من التقدم بدأ يتحقق تدريجيا نحو تقبل فكرة الأحزاب البرامجية القادرة على تجسيد مفهوم المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، والتي تمثل شريحة أكبر من الشباب والنساء، ولها امتدادات في ست محافظات على الأقل، وتستطيع كسب مقاعد لها في مجلس النواب بناء على قانون الانتخاب الجديد.
في المقابل يتفق كثيرون ممن خاضوا تلك الحوارات أو النقاشات الوطنية أن بعض الطروحات تحتاج إلى توضيح للخطوط الجامعة والفاصلة بين ما هو سياسي في العمل الحزبي، وما هو برامجي يشمل الشؤون العامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والإدارية وغيرها، الأمر الذي طرح بشكل جدي أهمية إعادة تشكيل ما يعرف بالفكر السياسي المشترك، سواء للحزب أو الدولة، وذلك كأحد منطلقات المئوية الثانية من عمر الأردن الذي تغيرت من حوله كل المعادلات التي تحكمت في محيطه العربي والإقليمي والدولي على مدى نصف قرن من الزمان.
هل نحن بحاجة إلى فكر سياسي جديد منفصل عن الماضي أو متصل ببعضه؟ ذلك ما يفترض أن نسأله لأنفسنا، وفي جميع الأحوال لا ينبغي أن نغفل التحديات القائمة ولا المتوقعة في ضوء التغيرات الإقليمية والدولية، والتي تفرض على المجتمعات المساهمة أكثر من أي وقت مضى في بلورة قوة الدولة، والحفاظ على سلامتها وأمنها واستقرارها، من خلال الديمقراطية باعتبارها نمطا سليما وصحيحا من أنماط التفكير السياسي، والحكم الرشيد.
الفكر السياسي للأحزاب هو مرتبة أعلى من مفهوم الحزب البرامجي، بل لا يمكن صياغة البرامج في غياب الفكرة الأساسية التي يقوم عليها الحزب لكي يكون جزءا مكملا لفكر الدولة السياسي القابل للتطور تبعا للتغيرات الداخلية والخارجية بما يعزز مفهوم السلطة الضامنة للهوية الوطنية، وعمليات التطوير والتحديث والتنمية الشاملة.