جريدة الغد، الاثنين 2022/07/25
إلى الآن يدور الحديث عن الأحزاب كما لو أنها مجرد عناوين لكيان سياسي في واجهته مجموعة من الأسماء المعروفة وغير المعروفة، يدور حولها نقاش أو جدل لا يخلو من التصغير تارة، والتشكيك تارة أخرى في جديتهم أو قدرتهم على الممارسة السياسية المنضبطة في إطار المنظومة التي تم تحديثها مؤخرا، لتكون حاضنة للممارسة الديمقراطية عن طريق تشكيل الأحزاب البرامجية القادرة على الوصول إلى البرلمان وفق قانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين، وبإمكانها تشكيل كتل نيابية منفصلة أو مشتركة، وصولا إلى تشكيل حكومات برلمانية.
هناك ما هو أعمق من تلك العناوين، وهي فلسفة الحزب وسياسته العامة، ورؤيته ورسالته، وقيمه الجوهرية، وغاياته وأهدافه الاستراتيجية، التي تجعل منه حزبا برامجيا، قادرا على إحداث التغيير، من خلال تطوير آليات العمل بما يحقق مصالح الشعب والدولة، وقد استقرت في أدبياته السياسية مجموعة العناصر الثابتة في مفهوم الدولة الراسخة في جذورها الجغرافية والتاريخية، وفي نظامها، ودستورها، وجيشها، وحقوق مواطنيها الأساسية، وفي قيمها ومبادئها ومثلها العليا، والتزاماتها القومية والإقليمية والدولية .
حين يؤسس الحزب على أرضية متينة لأنها مستمدة من تلك المبادئ أو العناصر فإنه يبني بهذا المستوى من الالتزام الوطني والأخلاقي قوته الحقيقية، التي تمنحه قوة الضغط في اتجاه تحديد الخيارات الوطنية، التي تلبي طموحات المواطنين، ومصالحهم العامة، في نطاق دولة القانون والمؤسسات، وفي ظل منظومة القيم المتعاهد عليها من انتماء للوطن، وولاء للعرش الهاشمي، وبالتزام أكيد بمبادئ العدالة والمساواة والحرية، والصدق في القول والعمل، وعلوية المصلحة العامة على كل المصالح الشخصية أو الفئوية الأخرى.
ذلك هو الأساس السليم لميلاد حزب وطني برامجي واعد وقوي، فمن دونه يولد عاجزا يحبو على يديه وساقيه، ويصبح عبئا على الحياة السياسية، وعائقا لها حتى ولو وجد نوعا من المساندة أو التشجيع، ومن هنا يأتي الاختبار الحقيقي لمدى قناعة ومصداقية وعزيمة أولئك الذي يحملون مسؤولية تشكيل الأحزاب الوطنية الجديدة، أو الذين أعادوا تنظيم مسيرتهم الحزبية، وأقاموا بينهم حالة من التحالف أو التمازج بما ينسجم مع شروط قانون الأحزاب الحالي!
لا بد أن تصب حصيلة موقف وخبرة ووطنية أعضاء الحزب فيما هو أبعد وأعمق من العناوين، أي إلى الجوهر لترجمة المعنى الحقيقي ” لحزب برامجي ” لديه القدرة على تحليل واقع القطاعات المختلفة، لتقييمها، وصياغة الخطط الإجرائية لتعزيز نقاط قوتها، ومعالجة نقاط ضعفها، ورسم البرامج المستقبلية القابلة للتنفيذ، وفق مراحل زمنية مدروسة ومحددة، ومؤشرات أداء قابلة للقياس.
لقد حان الوقت لكي تعيد الأحزاب تقديم نفسها من خلال المضمون وليس الشكل، وأن تقدم خطابها للناس على هذا الأساس، كي لا نقرأ في العناوين ما قد يضلنا عن الطريق!