جريدة الغد، الاثنين 2022/09/19
هذه مجرد مرحلة من مراحل تطور الدولة الأردنية التي تأسست قبل مئة عام، وفي وقت تشكل فيه نظامان عالميان، بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبين مرحلة وأخرى كان الإقليم الذي ينتمي إليه الأردن يتغير بسرعة فائقة من حال إلى حال تتخلله سنوات استقرار قليلة تتحسس أثناءها الدول موقع أقدامها، وتعيد حساباتها لتعرف وزنها الحقيقي في التوازنات الإقليمية والدولية السائدة.
وكان الأردن يواجه في كل مرة تحديات تفوق أضعاف ما يجري من حوله، ومع ذلك ظل عصيا على الانكسار أو التراجع لأن بنيانه أقيم في الأصل على مجموعة من الثوابت والمثبتات، وفي مقدمتها منظومة القيم والمبادئ الموروثة من الثورة العربية الكبرى والمشروع النهضوي العربي، الذي قاده الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه، ومعه رجالات من الأردنيين والعرب، ثم ليتأسس الأردن وفق معايير الكيانات السياسية الناشئة التي يتوجب عليها وضع الدساتير، وإقامة السلطات والمؤسسات، وسن التشريعات والقوانين، وتحديد مسارات علاقاتها الخارجية، على مبدأ الأمن والتعاون والاستقرار .
إن أكبر خطأ سياسي يمكن ارتكابه في هذه المرحلة التي نتقدم فيها نحو مشاريع التحديث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والثقافية هو فصلها عن الأساس المتمثل في بنية الدولة وطبيعتها، وحتمية تطورها عبر المراحل، خاصة وهي تنتقل إلى مئوية ثانية من عمرها، لأن الجذور والساق هي الأساس القائم الذي نقلم شجرته من حين لآخر، أو نقلمها أو نركب عليها من صنفها ما يجددها ويحفظ خضرتها ونموها ويزيد من وفرة ثمارها!
وإذ يغلب على الأحاديث ونحن في هذه المرحلة التي نؤسس فيها لحياة حزبية وبرلمانية جديدة نوع من الفصل بين هذه الحيوية السياسية وبين مفهوم الدولة القائمة على قواعد التاريخ والجغرافيا والوجود في النظام العالمي للدول، فإنه يتوجب على الأحزاب الحديثة والمتجددة أن تبني خطابها السياسي على تلك القواعد، وتجعل منها المقدمة لما يليها من أفكار ورؤى ونهوج وغايات وأهداف، ذلك أن تلك الحيوية موصولة ومتتابعة وفق سنن التطوير والتغيير والتحديث في المكان الثابت المتمثل في دولة بكل تاريخيها، وما حققته من مكاسب ومنجزات في إطار هوية متأصلة لا تتغير تبعا للظروف والأحوال .
مهمة الأحزاب ليست محصورة في آلية التشكيل والممارسة والبرامج والمشاركة في الانتخابات، والمساهمة في اتخاذ القرار وحسب، إنها معنية أساسا بصيانة الدولة وقيمتها وكرامتها ومكانتها وأمنها واستقرارها، وفي جانب من هذا كله تبرز أهمية الايمان بالوطن، والتفاخر فيه، والاعتزاز بالانتماء إليها، والدفاع عن سمعته وصورته، والنضال من أجل ثباته وقوته وتطوره، ومستقبل أجياله.
يدفعني إلى هذا النداء بعض التغافل المقصود أو العفوي عن الموروث المتراكم من مسيرة الأوائل ممن تركوا لنا وطنا نعيش فيه، ونظاما راسخا يضبط ايقاع حاضرنا ومستقبل أبنائنا، ويجعل الحوار الموضوعي سبيلنا للتفاهم والتعاون والتكافل والبحث عن الخيارات التي نستطيعها للتعبير عن طموحاتنا المشروعة، وفي إطار المعادلة المتوازنة التي تضم النظام والدولة والشعب، وفي اعتقادي أن هذه الخلقية المتينة هي التي تمنح الأحزاب أحد أهم عناصر قوتها، وعوامل نجاحها وأثرها الفاعل في الحياة السياسية الراقية التي نتطلع إليها!