جريدة الغد، الاثنين 2022/10/10
تظل الحكمة التي تروى عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه تخطر على بالي من وقت لآخر ، كلما شعرت بأن معظم ما نتابعه من أخبار الأحداث والتطورات المتسارعة ليس مرتبطا بحقيقة مكتملة الصفات ، تلك الحكمة التي تقول ” ليس كل ما يعرف يقال ، وليس كل ما يقال حضر أهله ، وليس كل ما حضر أهله حان وقته ، وليس كل ما حان وقته صح قوله ” .
نحن نتابع التصريحات التي تصدر عن أعلى مستويات صنع القرار ، ونـحـاول ربطها بالأحداث التي يشهدها العالم ، وعلى رأسها الحرب الروسية في أوكرانيا وما يتصل بها من حرب النفط والغاز ، وإمدادات الغذاء والدواء ، والحرب التجارية متعددة الأطراف ، فلا نكاد ندرك حقيقة تلك التصريحات ، أو فهم معانيها ، وكأنها توضح لنا حجم المجهول الذي يتنظر العالم ، وتتركنا نستخلص الأشياء ونقيضها في آن معا !
كيف لنا أن نفهم تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام في مهرجان لجمع التبرعات في نيويورك ” إن بوتن لم يكن يمزح عندما أطلق تهديدات حول استخدام محتمل لأسلحة نووية تكتيكية ، وأن تلك التهديدات تعرض البشرية لخطر حرب نهاية العالم ” مضيفا ” لم نواجه احتمال حدوث ( هرمجدون ) منذ كنيدي وأزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962 ” !
ها هو يشير إلى حرب الملحمة الكبرى التي سيعود معها السيد المسيح عليه السلام وهرمجدون موقعها مرج بن عامر بفلسطين ، ولولا أن الرئيس بايدن أشار إلى احتمال عقد لقاء بينه وبين الرئيس الروسي بوتن في قمة مجموعة العشرين بأندونسيا الشهر المقبل لقلنا أن الحقيقة غائبة حتى عن هؤلاء القادة الذين ننتظر منهم قول ما يجب أن يقال حتى لو لم يحضر أهله !
أوروبا التي ما تزال تعاني من موجات الحر غير المعتادة ترتعد خوفا من فصل الشتاء المقبل بسبب إمكانية انقطاع الغاز الورسي ، وأزمة الطاقة وارتفاع أسعارها تعم العالم كله ، وفي هذا الفضاء الأوروبي لا تتردد الحكومات بإبلاغ شعوبها عن ضرورة الاستعداد لمواجهة الأسوأ عندما يحل الشتاء القاسي ، فإمدادات الطاقة ليست مضمونة ، والسيطرة على أسعار السلع الغذائية حكاية أخرى ، واليوم يكبر السؤال في رؤوس الخبراء وكثير من السياسيين ” كيف لنا أن نفرض عقوبات تضر بنا أكثر مما تضر المستهدف بها ؟ ” .
وبالمناسبة ، في أي إطار من التحليل يمكن لنا أن نفهم تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بليكن ” إن الولايات المتحدة الأمريكية تدرس عددا من التدابير الجوابية ، بما في ذلك ضد السعودية بعد قرار أوبيك خفض الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من الشهر المقبل ، وتمديد صفقة خفض الإنتاج حتى نهاية عام 2023 ” بل بأي معيار يمكن قياس تحرك ثلاثة من النواب الديموقراطيين لتقديم مشروع قانون يطالب بسحب جميع القوات الأمريكية من السعودية والإمارات على خلفية قرارات الأوبيك ، وكذلك تغريدة النائب ( توم مالينوفسكي ) على موقع تويتر ” هذا عمل عدائي ، إذا أرادت السعودية والإمارات مساعدة بوتن في إبقاء أسعار النفط مرتفعة فعليهما أن يبحثا عنه للدفاع عنهما ” ؟!
القول مسؤولية، ومن هذه الزاوية أراد الرئيس بايدن التأكيد على أن قول بوتن باستخدام الأسلحة النووية ليس ( مزحة ) واليوم من حقنا أن نخشى من أن مزحة ما قد تقلب هذا العالم رأسا على عقب ، فلا يظل مجال لا للقول ولا لأهله ولا لوقته ولا لصحته بعد فوات الأوان !