جريدة الغد، الاثنين 2022/10/17
كنت في تركيا عندما صدر الاستطلاع الأخير عن مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية الذي أثار ضجة كبيرة على المستويين السياسي والإعلامي ، وتم التشكيك في منهجيته ونتائجه ، وحتى توقيته ، ولعل متباعتي لأمر كهذا من خارج البلاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتيح مساحة أكبر لفهم الاستطلاع ، ومعظم ما كتب عنه من مقالات تثير في حد ذاتها قيمة مضافة لطبيعة الجدل الذي نعيشه ، مع بداية مئوية ثانية من عمر الدولة ، تدخل إليها على خطى منظومة سياسية واقتصادية وإدارية جديدة .
الأوساط التركية منشغلة كذلك باستطلاعات الرأي حول الانتخابات الرئاسية والعامة المقررة في شهر يونيو من العام 2023 ، والتي ترفع حظوظ تحالف الشعب الذي يضم حزب العدالة والتنمية ، وحزب الحركة القومية ، بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان ، لتعود وتشكك بها تارة أخرى ، وترفع من شأن أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري ضمن ما يعرف بالطاولة السداسية بزعامة كمال كلشدار أوغاو ، ثم لتعود وتتراجع عنها !
أردوغان يرفع شعار ” القرن التركي ” فتركيا الحديثة تدخل مثلنا إلى مئوية ثانية ، وواقعها الاقتصادي في تقدم مستمر رغم تأثرها بالأزمات الإقليمية والدولية كحالنا أيضا لكن أقتصادها حقق في الربع الثاني من العام الحالي نموا بلغ ( 7,6 ) ، ولست هنا في معرض المقارنه ، ولا أخرج عن مسألة الاستطلاعات لكي أشير إلى أنها تشكل لدى الدول المتقدمة واحدة من مرتكزات توجيه صانعي القرار في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية نحو الاتجاه الصحيح ، وفق منهجيات يضيق المجال للخوض فيها ، ومع ذلك فإن كثيرا من الباحثين في قضايا الرأي العام ، وفي علم النفس الاجتماعي يرون أنها عرضة للفشل ، ذلك أن هناك الكثير من التحديات التي تواجهها كي تتمكن من الاقتراب من الحقائق حد اليقين !
غالبا ما يتعلق هذا الفشل بفهم مجتمع الدراسة ، ومدى إمكانية جمعهم في سلة واحدة ، وكذلك مستوى المصداقية لديهم ، فعلى سبيل المثال يعتقد المحللون أن حوالي نصف الذين يقولون أنهم سيصوتون في الانتخابات لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع ، هذا فضلا عن الحالة النفسية التي تكون عليها العينة أو بعض أفرادها فترة الاستطلاع ، كل هذا دون أن نتطرق إلى حالة اللايقين التي يعيشها عالمنا المعاصر منذ جائحة الكرونا إلى حرب روسيا في أوكرانيا ، وكل ما يتعلق بها من حروب التجارة والنفط والغاز والغذاء والدواء ، فكيف يمكن الإجابة على أسئلة تتعلق بالسعادة أو الثقة بالنفس أو بالآخرين ، ونحن جميعا قيد المجهول ، واللامفهوم ، ولعلي أختم بما قالته (ايليا بريغوجين ) الحائزة على جائزة نوبل في الكيمياء ” إن اليقين الوحيد الذي يمكن أن يتمتع به المرء هو أننا نعيش في عالم من اللايقين ” !