جريدة الغد، الاثنين 2022/11/21
لم يكن خطاب العرش السامي عبر تاريخ الأردن مجرد خطاب تقتضيه مناسبة افتتاح الدورات العادية لمجلس الأمة وفقا للمادة (79) من الدستور الأردني وإنما هو منهج يضعه جلالة الملك أمام ممثلي الأمة لبلد نظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي، فيأتي الخطاب شاملا لجميع القضايا التي تهم الدولة على المستويين الداخلي والخارجي، مرتكزا إلى منظومة القيم والمبادئ التي قام عليها الأردن منذ تأسيسه قبل قرن من الزمان.
بموجب النص الدستوري أيضا يتوجب على مجلسي الأعيان والنواب الرد على خطاب العرش في غضون اسبوعين من افتتاح الدورة، وفي ذلك ما يؤكد مبدأ التفاعلية مع النقاط التي تضمنها خطاب العرش السامي باعتبارها المحاور التي تحدد التوجهات العامة فيما يخص مسيرة الدولة، وموقفها من القضايا الإقليمية والدولية المحيطة بها.
نظرة على الخطاب الذي افتتح به جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة التاسع عشر يمكن أن ترينا القاعدة المتينة التي تقف عليها الدولة العازمة على تحديث منظوماتها السياسية والاقتصادية والإدارية وتعزيز منعتها، ورسم مسار مئويتها الثانية، ليؤكد من جديد بأن عملية التحديث تشكل بجميع جوانبها مشروعا وطنيا كبيرا، لا بد أن تتجه إليه جميع الأهداف الوطنية، وتسخر لتحقيقه كل الجهود والموارد، بما يضمن توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع السياسات، واتخاذ القرارات، من خلال أحزاب برامجية، وعبر تكاملية تامة بين مسارات التحديث السياسية والاقتصادية والإدارية.
مرة أخرى يؤكد جلالة الملك على مبادئ العدالة والكرامة الوطنية، وعلى التكاملية المنضبطة والمنظمة بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية من أجل البقاء على المسار الصحيح، وإزالة العقبات والعثرات من أمام عمليات التحديث الشامل، ويمهد لهذا المنهج من خلال التذكير بأن هذا الوطن لم يبنه المتشائمون ولا المشككون، وإنما تقدم وتطور بجهود المؤمنين به من أبنائه وبناته، وفي ذلك من دلالات العزيمة والثبات والثقة بالنفس ما يكفي لكي يكف الخائفون والمشككون والمحبطون واليائسون عن بث روح التشاؤم والسوداوية والحرد لأنها روح سلبية لا تقدم شيئا للوطن، بل وتخدم من في قلوبهم مرض، يطمعون فيه، وما أكثرهم في ظروف كتلك التي تمر فيها المنطقة، ضمن لعبة التوازنات الإقليمية والدولية القائمة حاليا.
من هذا المنطلق شرح جلالة الملك طبيعة الدور المحوري الأردني ضمن الإقليم وفهمه للمتغيرات المتلاحقة فيه، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية التي تظل أولى أوليات الأردن، سواء من حيث الإصرار على الحل العادل الذي يمنح الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، أو من حيث الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، أو من حيث دعم صمود الفلسطينيين تحت الاحتلال معنويا واقتصاديا إلى أن يتحقق الهدف الأسمى المتمثل في الحرية والاستقلال.
ويختم جلالة الملك خطابه بتوجيه التحية إلى حماة المسيرة نشامى الجيش العربي والأجهزة الأمنية، وليقول لهم نيابة عن الأردنيين جميعا ” أنتم الأصدق قولا والأخلص عملا ” ليكون في ذلك الشعار الوطني للجميع، والعنوان الذي يلتزم به كل المخلصين لهذا الوطن، الصدق في القول والإخلاص في العمل.