جريدة الغد، الاثنين 2022/12/05
أعود مرة أخرى إلى الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء ، والتي ترأس جانبا منها جلالة الملك الذي شدد خلالها على أنه لا مجال للتراخي أو التأجيل أو التراجع في تنفيذ مشروع الدولة للتحديث ، ذلك أن تلك الجلسة ، وذلك الحديث الهام لجلالة الملك حدد بشكل واضح وقاطع ملامح المستقبل القريب على أساس ما وصفه ” مشروع الدولة ” المتمثل في منظومات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري .
من بين ما أشار إليه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في مداخلته أمام جلالة الملك ” ضرورة إعادة تعريف الثقافة المؤسسية لضمان فعالية الأداء المؤسسي في الحكومة والقطاع العام ” وهنا مربط الفرس في هذا المقال ، ذلك أن مفهوم الثقافة المؤسسية يقع في صميم عملية الإصلاح الإداري المرتبط أساسا بعملية الإصلاح الشامل ، بما فيه التحديث السياسي ، والرؤية الاقتصادية ، وكل ما يرتبط بتجسيد شعار ” الأردن الحديث ” .
إعادة التعريف ، أو ايجاد المفهوم ذاته ليصبح عملية مؤسسية مخطط لها ، ربما هو العامل الذي تم إغفاله في معظم خطط الإصلاح الإداري ، وإعادة الهيكلة التي لم تحقق غايتها منذ فترة طويلة من الزمن ، فلربما ظن بعض المخططين أن الثقافة المؤسسية عملية معنوية لا تؤثر على العملية الإدارية المحكومة بالقوانين والأنظمة والتعليمات ، وربما استصعب البعض الآخر الدخول إلى تلك الإشكالية من منطلق التسيير المعتاد والمألوف للمصالح والمعاملات في مؤسسات القطاعين العام والخاص!
قد تبدو للوهلة الأولى أنها هكذا عند المخططين الحكوميين ، على اعتبار أن مفهوم الثقافة المؤسسية هو من شأن منظمات وشركات ومؤسسات القطاع الخاص ، شأنها في ذلك شأن الحوكمة التي تقوم على التشاركية في اتخاذ القرار ، والشفافية في المدخلات والمخرجات ، والمساءلة في الأداء ، ومن أجل ذلك ظهر تعبير ” الحاكمية الرشيدة ” وغيره من التعبيرات التي حاولت تميز المنطق الحكومي عن المنطق الأهلي مع أن الفكرة هي ذات الفكرة ، والغاية ذات الغاية ، والنتيجة ذات النتيجة ، عندما يكون الهدف هو إصلاح المؤسسات ، وضبط أدائها ، وتحسين إنتاجيتها !
الثقافة المؤسسية في جميع الأحوال هي الإطار العام لسلوك الأفراد العاملين في المؤسسات العامة والخاصة ، وهي الحدود الواضحة لما هو مقبول أو مرفوض منها ،وهي تمثل أهمية سلوكية تعكس قوة وانسجام وتفاعل القوى البشرية داخل المؤسسة من أجل تحقيق التقدم والازدهار ، فضلا عن أنها تغرس القيم والاتجاهات الايجابية في نفوسهم ، وتساعدهم على القيام بوظائفهم ومهامهم بشكل سليم .
يضيق المجال للحديث عن مسألة بهذه الأهمية ، ونحن نتطلع لتغيير ينسجم مع حجم الطموحات والآمال التي نعلقها على هذه الحيوية التي يعيشها الأردن ، ولكن من شأن الثقافة التنظيمية ايجاد خلفية مشتركة للتنسيق الذي يساهم في تعزيز القدرة على اتخاذ القرارت الجريئة والمناسبة ، وتحول دون التردد والتراخي والتراجع ، بل إنها تضع القيادات العليا على محك التقيم الصحيح ، ويصبح الحكم على أدائهم أكثر وضوحا وعدلا ، عندما يكون الاختبار قائما على الخبرة والقدرة وليس على السطوة والسلطة .
من هذه الزاوية يمكن لنا أن نفهم عمق التوجيهات السامية لمجلس الوزراء ، وسلامة ما التقطه رئيس الوزراء من مضامين ومعاني تلك التوجيهات التي ألمحت بوضوح إلى الحاجة الماسة والعاجلة لأن تعد المؤسسات نفسها وفق مفاهيم ومعايير جديدة لكي تكون قادرة على حمل مشروع الدولة وترجمته مؤسسيا على أرض الواقع !