جريدة الغد، الاثنين 2022/12/19
ها هو الأمر الواقع يرينا حجم المسؤوليات التي تتحملها مؤسسات القطاعين العام والخاص في مواجهة الأزمات الاقتصادية التي تعيشها الدول ( غنيها وفقيرها ) وهي أزمات مركبة ومتتابعة بشكل دائري تجعل كل دولة على حده جزءا منها ، وضحية لها .
ذلك هو الحال عندما نتعمق بكثير من الحكمة والتبصر في طبيعة المشكلة الاقتصادية التي يمر بها الأردن ، ليس من أجل تحديد اسبابها ولكن من أجل فهمها أولا ، والتغلب عليها ثانيا ، نتيجة صعوبة التحكم بالعوامل الإقليمية والدولية التي ربما تكون الأكثر تأثيرا على مجمل الاقتصاد الوطني ، ومن هذه الزاوية تأتي ضرورة التأكد من مدى قدرة مؤسساتنا الوطنية الحكومية والأهلية على التعامل مع العوامل الداخلية والخارجية التي تزيد من تعقيدات تلك الأزمة .
نتيجة لما يسمى بالخبرة التراكمية ، والتسيير الاعتيادي للمهام والمسؤوليات والأعمال قد ينظر كثير من المسؤولين في القطاعين العام والخاص إلى مسألة التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية ، وإعادة الهندسة والهيكلة ، واعتماد معايير الحوكمة على أنها مجرد طروحات نظرية ، أو رفاهية فكرية ، لا وقت لأخذها في الاعتبار إلا ضمن أدبيات الإدارة ، أو لزوم ما لا يلزم ، رغم كل الشواهد التي تدلنا على العناصر والركائز التي اعتمدتها جميع الدول والمؤسسات التي تمكنت من التغلب على أزماتها ، وحققت من خلالها نقلات نوعية وصلت بها إلى الصدارة في المنتج النهائي للخدمات التي تقدمها المؤسسات التابعة للحكومات ، والمؤسسات والشركات التابعة للقطاع الخاص !
كانت الحوكمة وما تزال تشكل المعيار الأهم في تقييم مستوى وفاعلية المراحل التنفيذية للخطط الموضوعة ، والمشروعات قيد التنفيذ ، وإن كانت أساسية كذلك على مستوى التفكير والتخطيط الذي يسبق مراحل التنفيذ ، ذلك أنها فلسفة ودور ومقياس لدى الإدارة العامة التي هي بمثابة العقل الحيوي لإدارة موارد الدولة عن طريق اتخاذ القرارات الصائبة التي تضمن العدالة ، والحيلولة دون الإسراف والهدر ، وتطبيق التشاركية والنزاهة والمساءلة ، مثلما هي بالنسبة لأصحاب الأعمال موجه هام في التخطيط والتنظيم والرقابة والانجاز .
لدينا اليوم منظومات سياسية واقتصادية وإدارية حديثه ، يفترض أنها خارطة طريقنا إلى المئوية الثانية من عمر الدولة ، وإذا كانت الرؤية الاقتصادية للتحديث الاقتصادي ( 2022-2033) تحت شعار ” مستقبل أفضل ” قد أقرت الحوكمة في مستوى التنفيذ فذلك دليل على تقدم ملحوظ في استيعاب أهميتها بالنسبة لنجاح المبادرات ال (366) التي تضمنتها على ثلاث مراحل ، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن التقرير الذي أصدره صندوق النقد الدولي نهاية العام الماضي اعتبر الأردن في مقدمة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي طبقت معايير الحوكمة في التصدي لجائحة الكورونا ، فضلا عن الإجراءت المتعلقة بالمشتريات العامة والتدقيق والمعلومات وإدارة المال العام وإنفاذ القوانين ، وفي ذلك مثال واضح على أن معايير الحوكمة معتمدة تماما في تقييم أداء الدول وتصنيفاتها الدولية في جميع المجالات !
من الحكمة أن نواصل طريقنا لاعتماد مفاهيم الحوكمة في التخطيط والتنفيذ لدى مؤسسات القطاعين العام والخاص ، فالأزمة الاقتصادية العالمية التي نحن جزء منها ، ستضعنا دائما أمام هذا الاختبار ، وكذلك الحال بالنسبة للأبعاد المحلية من تلك الأزمة التي لا نستطيع تجاوزها بعيدا عن الحوكمة !