جريدة الغد، الاثنين 2023/01/02
يختلف الناس على المستوى الفردي في تقييم عام مضى سلبا أو ايجابا ، تبعا لانعكاساته على حياتهم الخاصة ، وما إذا حققوا لذاتهم مكاسب معينة ، أو خسائر محددة ، ولكنهم يتأثرون في كل الأحوال بالأجواء العامة المحيطة بمجتمعاتهم أو بلدانهم ، ومحيطها الإقليمي ، وفضائها العالمي .
بعيدا عن الحوادث والتواريخ والأرقام فقد كان العام (2022) عاما صعبا على العالم كله ، وبالتالي صعبا علينا في بلدنا الأردن الذي لم يكن قد تجاوز صعوبات العامين السابقين ، وخاصة ما نجم عن جائحة الكورونا من خسائر اقتصادية واجتماعية كبيرة حتى وجد نفسه محاطا بتعقيدات وأزمات الجوار ، وبآثار الحرب الروسية على أوكرانا التي عبثت بأسعار النفط والغاز والسلع الغذائية والدوائية والنقل ، وغيرها من قطاعات أخرى سيظهر أثرها بعد حين !
في ذلك العام الذي مضى لم يطرأ أي تغير يمكن أن يتيح لنا اختراق حاجز الوضع الإقليمي ، وكنا قد بنينا قدرا من الأمل على علاقة تشاركية بيننا وبين العراق ومصر ، لكن الأزمة السياسية في العراق أخذت وقتا أطول مما هو متوقع حتى عاد ذلك التعاون للنقطة التي توقف عندها ، ومهما كان نوع وطبيعة وأثر المشروعات الاستثمارية المنتظرة في هذا الإطار ، أو في إطار التعاون مع مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة ، فإنه من الصعوبة بمكان تحديد مستوى التقدم الذي تم إحرازه على هذا الصعيد من التعاون في نطاق الجوار العربي ، ولا ننسى أن جميع الآثار السلبية للوضع السوري ما زالت على حالها ، سواء المتعلق منها باللاجئين ، أو العلاقات التجارية ، أو الحدود المنفلتة التي تضعنا في مواجهة شبه يومية مع مهربي الأسلحة والمخدرات والجماعات الإرهابية ، فما هي الآفاق المتاحة أمام اقتصادنا كي يتحسن في واقع من هذا النوع ؟
لا الأردن ، ولا أي دولة في العالم النامي بإمكانها إقامة المشروعات الكبرى – التي ينمو بها الاقتصاد المحلي – بمعزل عن الاستثمارات الأجنبية ، والمشروعات الإقليمية المشتركة ، فكلما كان المحيط هادئا يسوده الأمن والاستقرار كلما كان ذلك التوجه ممكنا ، والعكس صحيح كذلك ، ومهما أمكن تجاوز هذه الحقيقة تظل النتائج في حدها الأدنى ، قابلة للتراجع حسب الظروف والتطورات التي قد تقع ضمن المتوقع وغير المتوقع !
نعم كان عاما صعبا ومعقدا خاصة على المستوى الاقتصادي ، والأحوال المعيشية ، ومعدلات الفقر والبطالة ، ورغما عن ذلك كله لم تقف الدولة عاجزة عن التحرك في اتجاهات عديدة من أجل الحفاظ على قواعد الأمن والاستقرار ، وثوابت الاقتصاد الوطني ، وعناصر التقدم نحو مئوية ثانية من عمرها ، واضعة منظومات سياسية واقتصادية وإدارية حديثة ، تعالج بها نقاط الضعف ، وتعزز نقاط القوة ، من خلال توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار بعد أن أقرت تعديلات دستورية مناسبة ، وقانونا للأحزاب ، وآخر للانتخاب ، ووضعت قواعد تمكين المرأة والشباب ، ورسمت ملامح الطريق نحو برلمان يتسع لنواب حزبيين ، تمهيدا لمرحلة يمكننا فيها تشكيل حكومات برلمانية .
لسنا في خصام مع الزمن حينما نتحدث عن مصاعب أو مصائب العام المنصرم ، ولكن لا بد من التذكير بأن السنوات الصعبة قد تكون بالرغم من إحباطاتها محفزا على القوة والثبات ، ومنطلقا لمسيرة منظمة من الإصلاح والتحديث والتغيير ، وعلى ذلك قيل ” رب ضارة نافعة ” !
إننا في هذه اللحظات من العام الجديد (2023) ننظر إلى المستقبل ونحن أكثر إدراكا بالكيفية التي ندير بها مصالح بلدنا العليا ، ونحقق فيها طموحاتنا المشروعة في الحياة الفضلى ، وأكثر قناعة بأن توظيف قدراتنا الحقيقية بالصورة المثلى سيمنحنا القوة والقدرة على مواصلة مسيرتنا الوطنية ، وتلك هي الدروس التي تعلمناها على مدى ثلاث سنوات متتالية من المعاناة لكي نعرف كيف نجعل من العام الجديد عاما للسير في الاتجاه الصحيح !