جريدة الغد، الاثنين 2023/02/06
أثار وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال مباحثاته مع جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، بأن الأردن “قوة لتحقيق الإستقرار في الشرق الأوسط” العديد من التساؤلات، والكثير من التحليلات التي يمكن ربطها في زاويتين: الأولى تتعلق بالتعبير غير المألوف في سياق العلاقات الأردنية الأمريكية التي توصف عادة بعلاقات التعاون والصداقة المتينة، والثانية تتصل باستخدام كلمة “قوة” من حيث المدلول والقيمة الحقيقية، والقدرة على التأثير في الأحداث والتطورات، وتعديل المسارات، وترجيح التوازنات لصالح الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المضطربة من العالم!.
المتتبع لسلسة اللقاءات التي أجراها جلالة الملك في زيارته للولايات المتحدة الأمريكية يستطيع أن يدرك أن هذا الحجم من النشاط السياسي، وهذا القدر من الشمول لمراكز القرار لا يمكن أن يتاح إلا لزعيم ذي مكانة مرموقة ومصداقية عالية، له دور مشهود ومؤثر، مرتبط بشخصه من ناحية، وبالدولة أو القومية التي يمثلها من ناحية ثانية، ومن هنا يمكن للرئيس بايدن أن يرى أحد عناصر القوة التي يمثلها جلالة الملك باعتباره زعيم لبلد يقع على حدود كل التوازنات في منطقة الشرق الأوسط، يمتلك من مقومات المكانة والقوة الإقليمية ما يكفي لكي يكون أحد أهم أدوات الإستقرار المتمثلة في الاعتدال، والعقلانية، والتمسك بالحق، والعدل والسلام.
التوقيت هنا ذو أهمية بالغة، فأمريكا بجميع مؤسساتها السياسية، والتشريعية، والعسكرية، والمدنية منشغلة بمصالحها وحربها المباشرة وغير المباشرة مع روسيا والصين، وما تلك الحرب الدائرة في أوكرانيا إلا أحد ساحات تلك الحرب التي تتفاعل من يوم إلى يوم، وتنذر بعواقب وخيمة على العالم كله، ما لم يكن للعقل فرصة حاسمة كي يفرض منطقه عند نقطة معينة تخرج الجميع من المأزق الخطير الذي آلت إليه !.
الشرق الأوسط الذي يضم إيران وتركيا واسرائيل والبلاد العربية كلها ليس معزولًا عن تلك المواجهة بين الكبار، وما بين أن يكون ساحة هادئة، أو شعلة ساخنة تزيد من اشتعال تلك الحرب التي يخشاها الجميع هناك سعي جلالة الملك للتنبيه إلى أحد أخطر عوامل الانفجار، والكامنة في الوضع القانوني، والتاريخي، والديني لمدينة القدس، ذلك أنها تمثل الحد الفاصل بين السياسة والايمان في منطقة يشكل فيها العامل الديني دافعًا قويًا لجميع الصراعات التي شهدتها المنطقة على مدى تاريخها الطويل.
لقد شرح جلالة الملك تلك المعادلة – كما لم يفعل أحد من قبل – أمام حشد متنوع من الحاضرين في حفل الإفطار والدعاء الوطني خلال تلك الزيارة، ساعيًا إلى إحداث تغيير في فهم المعنى العميق للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية على أنها القاعدة التي يمكن أن يبني عليها الجميع موقفًا يجعل من القدس قاعدة للسلام والاستقرار بدل أن تكون منطلقًا لصراع ديني بلا ملامح أو قيود، ومنطلقًا لتحقيق السلام الذي يمنح الشعب الفلسطيني دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.
ختام هذا المقال يأتي للتذكير بقوة الأردن في التوازنات الإقليمية والدولية، وعن مكانته الفاعلة في تلك التوزانات، كما أشرت في عددٍ من المقالات التي تحدثت فيها عن هذه القوة النابعة من ذات الدولة، ونظامها، وطبيعتها، وموقعها الجيوسياسي، وموقفها الواضح والصريح من التطورات والأحداث والأزمات، ومن تمسكها بالشرعية الدولية، وإيمانها بحق جميع الشعوب بالأمن والاستقرار والتعاون الايجابي، وأن باستطاعتنا توظيف هذه القوة في إعادة ترتيب بيتنا الداخلي ضمن منظومات التحديث التي توافقنا عليها، وعلى أساس دولة القانون والمؤسسات وعمليات الاصلاح والتطوير، والتضامن والتكافل الوطني .