جريدة الغد، الاثنين 2023/02/27
كشفت اللقاءات الحوارية ، والنقاشات الدائرة خلال عملية التشكيلات الحزبية الأردنية الجديدة عن وجود إشكالية فكرية في وصف المرحلة السياسية التي نعيشها حاليا بعد إقرار قانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين ، يتعلق معظمها في الخلط بين مفاهيم ( الإصلاح ، والتغيير ، والتطوير ، والتحديث ) كما لو أنها تعني شيئا واحدا ، أو أننا بحاجة لها مجتمعة !
مع الوقت بدأنا ندرك أنه من الأهمية بمكان أن نحدد المصطلح الذي يستقيم أو يلائم عملية الانتقال الزمني من المئوية الأولى من عمر الدولة إلى مئوية ثانية ، تتزامن مع تغيرات هائلة في النظام العالمي ، وفي التوازنات الإقليمية ، وما يرتبط بها من تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية ، وهي معادلة تقوم أساسا على فحص ثوابت الدولة ، وقدرة مؤسساتها الوطنية على الصمود في وجه أزمات متعددة العناوين والاتجاهات والمخاطر .
على مدى السنوات الماضية كان مفهوم ( الإصلاح ) هو السائد في أدبياتنا الوطنية على اعتبار أنه الهدف الذي نستطيع من خلاله معالجة الاختلالات والمشاكل ، وإعادة تأهيل السلطات والمؤسسات لكي تعالج وضعنا المحلي من جميع جوانبه ولأن المصطلح في ظاهره مصطلح ايجابي ، لم ننتبه إلى أنه يحمل في باطنه حكما شبه قطعي على وجود خلل عام في القطاعات والمؤسسات والتوجهات والسياسات ، وبالتالي فإن تعبير ( الإصلاح ) يمكن أن يجر وراءه مصطلحات أخرى مثل التغيير ، والتطوير ، والتحديث ، وغيرها مما يفيد بحتمية الخروج من وضع قائم إلى وضع محتمل أو ممكن !
جاء الحد الفاصل بين هذه المصطلحات عندما تم إقرار مصطلح التحديث أول مرة ، على إثر تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ، وما تلا ذلك من مشروع متكامل لتحديث المنظومات الاقتصادية والإدارية والقانونية ، وكأن هذا المصطلح يعيد صياغة فكر الدولة ، ليجعله أكثر وضوحا أمام الغايات والأهداف التي نعمل من أجلها ، تأسيسا على بنية الدولة ، وثباتها وقوتها ومكانتها وقدرتها على التقدم إلى الأمام ، وذلك من خلال تحديث عمليات التفكير والتخطيط والتنفيذ التي تحاكي المتغيرات ، وتتعامل معها بمنطلقات جديدة أو حديثة أو معاصرة .
هنا يظهر الفرق بين الإصلاح بمعنى معالجة المؤسسات ، واسترجاع عافيتها وصلاحيتها للعمل ، وبين التحديث بمعنى تجديد المؤسسات ، وحشد قدراتها وامكاناتها لكي تذهب بنا ، ونذهب بها إلى مرحلة جديدة من مراحل تطور الدولة وحيويتها الطبيعية ، وتوفير عناصر تقدمها ، وحشد وتفعيل طاقاتها الكامنة ، وفي مقدمتها طاقتها البشرية المتمثلة في الإنسان الأردني حين يشارك في صنع القرار ، ويؤمن بالتحديث سبيلا للتغلب على المصاعب مهما كان حجمها !