جريدة الغد، الاثنين 2023/03/13
الأحكام المسبقة ما تزال تلاحق تجربتنا الحزبية الحديثة ، ويحكم البعض عليها بالفشل ، وفي النقاش الدائر في الأوساط السياسية ثمة كلام كثير معاد ومكرر عن تجارب الماضي ، وعن أولوية الشأن الاقتصادي على غيره من الشؤون وفي مقدمتها الشأن السياسي ، وآخرون يقولون إن التشكيل الحزبي يشبه الهرم المقلوب ، بمعنى أنه يأتي من القاعدة الشعبية ، وليس من القيادات الحزبية ، وذلك كلام لا يصلح للنقاش ما لم نتفق على المنطلقات والحقائق القديمة والجديدة التي يجب أخذها في الاعتبار .
في بداية نشوء الدولة تشكلت أحزاب وطنية في الغالب الأعم ، وفي فترة الخمسينيات والستينيات نشأت أحزاب تنتمي إلى أيدلوجيات قادمة في معظمها من خارج البلاد ، وفي بداية التسعينيات عادت الأحزاب خليطا من ذلك كله ، وبقيينا على هذا الحال إلى أن دخلنا مرحلة التحديث السياسي والاقتصادي والإداري ، وصدور قانونين جديدين للأحزاب والانتخاب لسنة 2022 .
كان ذلك بناء إلى على توجيه ملكي ، أراده جلالة الملك أن يكون مشروع الدولة لتدخل به المئوية الثانية من عمر ها ، وكان تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إطارا تشاركيا بين جميع التيارات والاتجاهات لكي تتفق على المبادئ والأسس التي تقوم عليها العملية السياسية في شكلها ومضمونها الوطني الجديد ، الأمر الذي تمت على أساسه عملية إعادة تشكيل الأحزاب القائمة ، وتشكيل أحزاب جديدة وفق شروط ومتطابات القانون الجديد .
تلك هي القاعدة الدستورية المتينة التي تقوم عليها التجربة الحزبية الجديدة ، وهي الضمانة الأولى لإنجاحها وتطويرها وتصاعدها وفق مراحل زمنية تبدأ بتخصيص 41 مقعدا للأحزاب في البرلمان القادم ، الأمر الذي يجعل الحركة الحزبية جزءا من عملية متكاملة ، في صميم حيوية برلمانية تفضي في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومات من أغلبية حزبية ، وهذا يعني أن النجاح أو الفشل يرتبط الآن بتلك التكاملية وليس بالحركة الحزبية وحدها !
هاتان حقيقتان لا بد أن نتفق عليهما عندما نتحدث عن مستقبل الحياة الحزبية الأردنية ، ويمكن أن نضيف حقائق أخرى مرهونة بالمستقبل القريب عندما يقف ممثلو الأحزاب في البرلمان وهم يعبرون عن رأي الأحزاب التي يمثلونها ، وليس عن رأيهم الشخصي ، وعندما تكون تلك الآراء مستندة إلى شروحات لجان الحزب التي ستعمل ضمن مفهوم ( حكومة الظل ) تدرس القضايا والشؤون الوطنية بدراية وإمعان وتبصر ، وفق مقارنة موضوعية بين برنامج الحزب وبرنامج الحكومة استنادا إلى السياسات والأرقام والمؤشرات ، الأمر الذي يمكن أن يحدث تغييرا جوهريا في طبيعية وأساليب النقاشات التي ألفنها في البرلمانات السابقة .
نقاشاتنا الوطنية كلها مشروعة وواجبة ، ولكن حان الوقت لتغيير قواعد النقاش لتكون أقرب ما يكون لمفهوم الحزمة الواحدة للعملية السياسية ، دون إنكار للتحولات الجديدة ، ودون مصادرة للنتائج قبل الوصول إليها !