جريدة الغد، الاثنين 2023/04/03
لا يمكن رؤية المشهد الحزبي الجديد على حقيقته من دون تغيير النظرة القديمة للتجربة الحزبية الأردنية بكل ما اعتراها من أخطاء ، وما أصابها من إخفاقات ، ذلك أن تلك النظرة ما تزال ترسم الصورة مجزوءة عن حالة التحديث السياسي التي جاءت في لحظة تاريخية فرضتها مجموعة من العوامل المحلية والإقليمية والدولية لبلد أظهر بما لا يدع مجالا للشك قدرته على استخلاص النتائج ، وقراءة الواقع ، واستشراف المستقبل .
على مدى سنوات من الأحداث الجسام ، والتغيرات والانهيارات التي أصابت المنطقة التي نحن جزء منها ، والتي تأثر بها الأردن على شكل أعباء كبيرة تحملت الجزء الأكبر منها قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية دفاعا عن حدوده ، وصونا لأمنه واستقراره تغيرت الأولويات على حساب التسيير الطبيعي لشؤون الدولة وقطاعاتها المختلفة ، مع المحافظة على حد مناسب من الحيوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
كانت كلفة الأمن باهظة جدا ، وكانت المصالح الاقتصادية معطلة على مستوى التجارة البينية ، خاصة في الجوار العربي ، وكانت مسؤولية إدارة عمليات اللجوء السوري كبيرة ومكلفة ايضا ، ثم جاءت جائحة الكورونا لتزيد الحال سوءا ، واليوم هنالك من لا يقيم وزنا – على مستوى التحليل – لتلك التحديات الصعبة ، وكأننا نواصل طريقنا في سياق طبيعي ، وفي وضع يسمح لنا بممارسة رفاهية التفكير والتفصيل في التعليق أو الغمز واللمز في طبيعة ومخرجات تحديث المنظومات السياسية والاقتصادية والإدارية !
الحياة الحزبية الآخذة في التشكيل أو العمل على أرض الواقع ولدت من رحم المرحلة الفاصلة بين مئوية أولى ومئوية ثانية من عمر الدولة ، وبين أردن صمد في وجه التحديات والمخاطر التي أشرت إلى جزء يسير منها ، وأردن جديد أو متجدد لا يمكنه انتظار تغير الظروف من حوله ، ولا المراهنة على التقلبات في التوازنات الإقليمية والدولية التي تتفاعل من يوم إلى يوم نحو المجهول !
مع كامل الاحترام والتقدير لجميع الآراء يتوجب اليوم على الأحزاب جميعها ألا تقبل بمحاولات تركيب العجلات لمركبة قديمة يريد البعض أن يحمل عليها إرثا مشوها للمشهد الحزبي ، ساعة بإنكار جدواها ، وأخرى بالتشكيك في القائمين عليها والمنضمين إليها ، وثالثة بمحاولة اختراع نزاع بين تياراتها واتجاهاتها المتنوعة ، والأغرب من ذلك نعت بعضها بأنها ( أحزاب الدولة ) وكأن عليها أن تكون أحزابا ضد الدولة ، فكيف يكون الحزب حزبا وطنيا برامجيا إن لم يكن حزبا من الدولة ، ومن أجل الدولة وشعبها ومصالحها العليا ، وكيف لا تكون كذلك وهي مدعوة لتأخذ مكانها في مجلس النواب ، وتتقدم نحو تشكيل حكومات برلمانية في المستقبل القريب ؟!